IMLebanon

أفراد 2015 نحو حكومة منفى.. لإنقاذ الدولة والطوائف..

عندما تصبح فكرة الدولة مهددة يعني ذلك سقوط الفكرة من أيدي حامليها.. أي فشل التجربة السياسية للمجموعات المكوّنة لإدارة الشأن العام.. وعندما تصبح عطالة الدولة أمر ممكن أو بديهي.. تكون الجماعة الحاكمة للشأن العام قد قطعت علاقتها بالزمن.. وهذا يعني موت الدولة ببطلان وظيفتها التي تقوم على الإنتاج الدائم والمستمر والسّريع وبدقة وتوازن للتعامل مع كلّ مستجدّ من إبتكار أو حاجة والرّضوخ الدائم لتوالد الأجيال المستدامة بحاجاتها وتطلّعاتها.. وعندما تصبح أسباب الإضطراب في الهوية الوطنية أمراً مقدّساً لدى الإيديولوجيات الحاكمة تكون مسألة الوحدة الوطنية عدواً وليست غاية سامية.. وعندما تصبح التعابير والمفردات لا تدلّل على ذاتها تكون المعرفة في خطر شديد ويصبح المواطن العاقل غريباً أو معتدياً.. وهذا ما قد ينبّئ بالكثير من الدمار والخراب والقتل والذبح لأنّنا عندما نتهاون بالمعايير الناظمة لوجودنا الوطني تختلّ الموازين وتضطرب الهوية الوطنية.. وكلّ اضطراب بالهوية الوطنية يؤدّي إلى حرب أهلية تبدأ على ما نراه الآن من تعطيل للدولة وإستهانة بالزمن وبالإنتاج وإستخفافاً بعقول الناس والتنظير بكلّ اتجاه.. وهذا ما تؤكده ممارسات المكوّنات الحاكمة.. وفي كلّ المواضيع.. من السيادة إلى الدستور إلى السياسة والاقتصاد والمؤسسات إلى الأمن السياسي والغذائي والعسكري والفكري والبيئي والإنساني..

  إنّ كلّ ما تقوم به المجموعات الحاكمة هو ملهاة وتعبير واضح عن العجز والفشل بحماية فكرة الدولة الوطنية.. والتجربة التاريخية المكوّنة للهوية الوطنية بكل ّ أبعادها.. وهذا العجز والفشل ليس قدراً على كلّ المكوّنات السياسية اللبنانية.. القديمة والحديثة.. لأنّ أسبابه واضحة وهي عدم الإلتزام بأسباب الدولة الوطنية.. وإنّ كلّ إستثناء على حساب فكرة الدولة الوطنية أدّى إلى كارثة وطنية كان الردّ عليها في كلّ مرة التّأكيد على ضرورة الدولة الوطنية.. وهذا ما يؤكّد على عمق التجربة الوطنية اللبنانية.. والتي شهدت في السنوات العشر الماضية عملية تفاعل وطني مجتمعي كبير.. وهذا يعني تجرّد الهوية الوطنية من عملية تكوين السلطة مما يجعل من النخبة الحاكمة قادرة على التعطيل فقط.. وذلك هو سبب وجودها وضرورتها.. أي إختطاف موصوف للجزئيات المكونة للتفاعل الوطني في إطار الهوية.. أي أنّهم إختطفوا الدولة وفكرتها وأدواتها.. وهم يعترفون بأنّهم غير قادرين على إدارتها وإنتاجيّتها.. وأنّهم قادرون على تعطيلها.. هذا يعني أنّ الدولة محتلة ورغم ضرورتها المطلقة في هذه الظروف.. وخصوصاً عند من هم بداخلها وهم غير قادرين على فك الإرتباط بها وغير قادرين على إدارتها.. وهذا ما يحتّم علينا جعل تحرير فكرة الدولة من مكوّنات السلطة قضية وطنية.. وهذا يفترض إرادة مجتمعية كبيرة تنتظم بأسباب دولة الأفراد الوطنية الحقّة بما هي حاضنة للجماعات.. في حين أنّ دولة الجماعات الوطنية غير ضامنة لحقوق الأفراد المواطنين..

إنّ كلّ ما تقدم يعبّر عن عمق المأزق لدى الأفراد والجماعات الوطنية.. وإنّ الإضطرابات كبيرة بين فكرة الدولة الوطنية الحديثة للتجربة الوطنية العميقة وبين مكونات السلطة العاجزة والعاطلة عن العمل مما يجعل من عملية تظهير إرادة مجتمعية مدنية تنتظم فيها الأفراد وعلى أسباب الدولة الوطنية الحديثة ووظيفتها ضرورة قصوى.. وذلك عبر تشكيل هياكل إنتقالية على الأسس التعاقدية عينها المعبّر عنها في الدستور اللبناني لتمارس حقّ الرّقابة والمساءلة من خارج السلطة وتبحث في أسباب الأمن الإنساني الوطني بكلّ مندرجاته بما يتناسب مع متطلّبات الوجود الإنساني الحديث والسريع..

وتتكوّن هذه الهياكل على أساس المشروعية الفردية وعلى أساس التعاقد الوطني المكتوب مع حقّ الإختلاف في الإتّجاهات.. مع الإلتزام بوحدة المنطلقات والأهداف الوطنية الضرورية.. لأنّ الفرد كيان قانوني دستوري كامل..

الأمر لا يقتصر على المجموعات المكوّنة للسّلطة.. بل علينا نحن كأفراد لأنّنا تقرّبنا منهم أو إحتمينا بظلّهم.. وبعضنا خدعهم وخدع نفسه عندما دخلوا دائرة السلطة توزيراً أو تزويراً.. وفي كلا الحالتين سقطنا جميعاً في دفء السّلطة ونسينا الدولة وضرورتها ومدى الضرر والأذى من عدم وجودها أو تعطيلها.. ورغم تواطؤ العديد من النخبة الأفراد والقادرة على بناء الدولة وتشغيلها فلا يزال الفرد ضرورياً إلى جانب الجماعات  من أجل إكتمال عناصر الدولة..

ولما كانت الجماعات الحاكمة قد أقرّت لنفسها قانون العفو الخاص رغم ادعائها وارتجالها واختصارها للآخرين وقررت الإستمرار في أوهام قدرتها على إدارة الدولة والمجتمع.. فلا بدّ للأفراد من أن يغفروا لأنفسهم ذنوبهم وتواطئهم وخيانة ذاتهم.. وأن يبادروا إلى إعادة الإعتبار لفرديّتهم واحترام الأفراد الآخرين والاجتماع تحت سقف اختلافهم ووحدتهم في الأسباب والأهداف.. وهي الدولة الحديثة المتوازنة التي لا تأكل فيها الطوائف والتجمعات الأفراد القادرين على النهوض بالبلاد..

ولمّا كانت الدولة فكرة وأدوات محتلّة من مكونات السلطة الطائفية العاجزة والفاشلة والقادرة على التعطيل فقط.. مما يجعل مهمة الأفراد ملحة وضرورية لإنقاذ الفرد والجماعات.. فَهُم مدعوون إلى إطلاق المبادرات من أجل تحرير الدولة وتشغيلها وتحديثها لتواكب متطلّبات الأجيال القادمة وفي ظلّ كلّ تلك الإنهيارات التي تحيط بنا وبعد عقود طويلة من انهياراتنا بدلاً عنهم..

لقد تشاورت ولا أزال مع العديد من الأفراد الذين يستحقون العفو العام لما احتفظوا به من فردية ناضجة.. والإتجاه قد يكون في العام 2015 نحو تشكيل حكومة منفى أو سلطة حكم إنتقالي وعلى أساس الدستور القائم من أجل إحداث التّوازن الدستوري بين حقوق الفرد والجماعة.. لأنّ الأزمة ليست خلافاً بين الطوائف بل أنّ الطوائف هم الأزمة وعلى الأفراد إنقاذ الدولة والطوائف.. لأنّ الفرد هو جوهر الدّين والدولة..