هي ذكريات شخصية مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، دونتها في الذكرى العاشرة لغيابه.
في الأشهر الأخيرة من حياة الرئيس الشهيد، وخاصة بعد التمديد لرئيس الجمهورية واستقالته من رئاسة الحكومة، ثم اعتذاره عن تأليف الحكومة التالية، كانت الفترة الأغنى والأكثر حميمية في علاقتي مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
في أحد الأيام مطلع أيلول 2004، وعند حضوري إلى قصر قريطم في الطابق الخامس، دعاني الرئيس إلى جواره وهو في غاية الحبور، وعلى وجهه ابتسامة عريضة. بادرني بالقول: نتائجك جيدة، (وهو يستند إلى الاحصائيات الدورية التي يجريها بواسطة شركة متخصصة، ويبقي نتائجها لنفسه حصراً.) وأضاف، ولكنني أريد أن يتعزز ذلك، وبالتالي أريدك أن تكون إلى جانبي في اللقاءات السياسية.
أجبته حاضر يا دولة الرئيس، وأضفت ممازحاً: وهل يكون ذلك بأن أجلس بصورة دائمة في الصالون؟ أجابني الرئيس: بلا فلسفة، تعا يا وسام (الحسن) خبر محمد عن اجتماعاتي السياسية ليشارك فيها. وكرر للشهيد وسام الحسن: محمد وحده.
وبعد ذلك في اجتماع لكتلة قرار بيروت النيابية كلفني برئاسة وفد الكتلة إلى استشارات القصر الجمهوري، قائلاً للنواب: من يريد المشاركة في الوفد أهلاً وسهلاً. اعترض بعض الزملاء قائلاً لكن بيننا وزراء سابقون. أجاب الرئيس نعم، لكن محمد أقدم نائب بيننا، قبلي أنا، أليس ذلك يا محمد؟ علقت قائلاً بخجل: العين ما بتعلا على الحاجب يا دولة الرئيس. أجابني: هذه مجاملة لا تلغي أقدميتك في النيابة. فعلاً ترأست وفد الاستشارات النيابية التي أدت إلى تأليف حكومة الرئيس عمر كرامي. واستشارات كرامي لتأليف الحكومة في 22/10/2004. وقد صرحت بعدها أننا أبلغنا الرئيس كرامي عدم رغبة كتلة قرار بيروت المشاركة في حكومته، لكننا لسنا في المعارضة، وسنكون إلى جانب الحكومة في المسائل الوطنية الأساسية.
عند وفاة الشيخ زايد في 2 تشرين الثاني 2004 اصطحبني الرئيس الشهيد إلى أبو ظبي للتعزية، كممثل لكتلة بيروت النيابية. وحرص في رحلة الذهاب في طائرته الخاصة، وكنا واقفين في صالون الطائرة، على الهمس في أذني أنه يريدني رفيقاً له في التجارب السياسية المقبلة.
وعند احتدام معارضه لقاء البريستول، سألني في قصر قريطم إذا كنت مستعداً لحضور إجتماعات اللقاء؟ وكان جوابي بالايجاب مقترحاً أن يرافقني الشهيد وليد عيدو. أجابني الرئيس موافقاً، لكنه أردف قائلاً: تمهل الآن، وسأطلب منك في الوقت المناسب. وفي اعتقادي أن الرئيس رفيق الحريري كان يعتبر أن مشاركة نائب بيروتي من كتلته ينتمي للطائفة السنية، كان يعني اندماجاً كاملاً ونهائياً في لقاء البريستول. ولم يقم بهذه الخطوة حتى استشهاده.
إثر زلزال الاستشهاد تذكرت فوراً كلاماً قلته له عام 1994. وكانت علاقتي به ودية رغم انتمائي إلى كتلة نيابية أخرى. قلت له: أرجوك يا دولة الرئيس لا تكبر كثيراً. استغرب كلامي وقال: لماذا هذا الكلام؟ أجبته لأن من يكبر كثيراً في هذا البلد، ويصعب احتواءه يتم شطبه من المعادلة. وكنت أتذكر اغتيال كمال جنبلاط الذي كنت على علاقة وثيقة جداً به، واغتيال بشير الجميل الذي كنت في موقع الخصام معه. وقلت لنفسي عام 2005، سبحان الله، ليتني كنت مخطئاً.
المصيبة تأتي كبيرة ثم تصغر مع مرور الزمن. لكن فاجعة غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري نراها اليوم أكبر مما كانت قبل عشر سنوات.
فالزعيم العظيم نفتقده بيننا عندما يمر الوطن الصغير في محنة أو معضلة، نتذكر أنه لو كان بيننا لعالجها بالتأكيد، بل لكان ساهم في معالجة المآسي العربية حولنا.
رفيق الحريري كان رجل الأحلام الكبيرة والرؤيا المستقبلية والإرادة الجبارة التي لا تعرف المستحيل. وشبكة الصداقات الدولية التي يوظفها لمصلحة الوطن الصغير وشعبه.
ما حدا أكبر من بلده، كان يقول. لكن الحقيقة أنه كبّر دور الوطن الصغير ليأخذ مكانة فاعلة على خريطة العالم، وأعطى شعبه الآمال والأحلام.
تحية لك في علياء السماء، يا أبا بهاء. ونؤكد لك أننا نتابع المسيرة مع حامل الأمانة الرئيس سعد الحريري.