ما دخل الذاكرة في تداخل بناء الاوطان؟ ذاكرة الانسان طبعاً، وقد تشاركها ذاكرة النبات وغير مخلوقات، الا ان الانسان وحده يربط الذاكرة بشهوة السلطة، وللتمويه يدخل بها وبمن حوله الى زاوية الحب السامي، حب الوطن: هو على رأس هذا الوطن، والشعب تحته. ويتواضع المتسلط ويقدّم ذاته كخادم للشعب، للقطيع الذي لا يقلّ عنه في السر وفي العلن عشقاً للسلطة وتوابعها من مظاهر التفرد في وسائل بذخ عيش واستباحة ما للغير حتى الالقاب.
الذاكرة موروثة مثل الثروات والالقاب والاديان والجنسية. ومن له ذاكرة لا يفارق الا مرغماً، فيرثه ابناؤه ويتشارك الجميع في شرشحة “الوطن”، وتكثر الديوك، وتعمّ المزابل الحقيقية، ويتلقى الشعب تهديداً من هنا، وانذاراً من هناك ما لم يلتزم تنفيذ ما يطلب منه من الخارج. فهو داخل قبضة الجميع “المذهبية” فريسة جراد صحراوي ينهش حياته من باب الخدمة المتواضعة.
هذا ما تحمله ذاكرتنا الآنية فوق 10452 كلم مربعاً او مكعباً، لان تحت الجبال والوديان وجزئنا من البحر حقول نفط وغاز في صلب تكوين ارض الوطن. وفي حركة تراجع الى وراء الوراء نصل الى الشاطئ الفينيقي الذي حمل اول مظاهر الدولة الحديثة: الدولة: المدينة، حيث لا قبائل ولا حكام مذهبيون. فالحاكم كان ملكاً وعلمانياً في معظم الحالات، ومعه من عاونه على بسط سلطته، و كان للمدينة جيش واسوار، وكان هناك شعب يزرع ويتاجر ويدفع الضرائب. وكان لجبيل ولصيدا ولصور مدارس فكرية، علمية خرج منها علماء في الرياضيات والفلسفة والعلوم. وكان ماخوس الصيداوي اول عالم ذرة فوق الكوكب.
أما اليوم فنحن في اوج الانحطاط المؤسساتي: لا نغير ولا ننجز ولا نطور ولا نصلح. حتى عصت علينا نفاياتنا منذ شهور ستة، وكهرباؤنا مقطوعة من منتصف سبعينات القرن الماضي، ومياهنا مقطوعة وملوثة، ولا تنظيم مدنياً أو غير مدني. حتى المبادرات الفردية جاءت عشوائية، شاغرة. وما اكثر ملكات الجمال عندنا، وما اكثر وسائل الترفيه والمطاعم والنوادي الليلية، و”المولات” والسوبرماركتس، وما اكثر ما نتبادل الكلام بالفرنسية وبالانكليزية وبقليل مما تبقى في ذاكرتنا من العربية، ذاكرة شعب وحكام اكلها جراد الصحارى ثم نخرها سوس الجهل. ياي شو Negative ما فيكي تكوني شوي Positive؟