لا ينقص الإحتفال بذكرى 13 تشرين سوى دعوة السفير السوري في لبنان إلى هذا الإحتفال. العماد ميشال عون عاد إلى لبنان من منفاه الباريسي بصفقة مع «النظام السوري» و»المنظومة اللبنانية السورية» التي كانت تحكم لبنان.
وهذه الصفقة روى دقائقها وتفاصيلها المحامي كريم بقرادوني في كتابه «صدمة وصمود»، وفي أحد فصول الكتاب يروي بقرادوني كيف اجتمع مع العماد عون في باريس في حضور نجل الرئيس السابق اميل لحود، النائب أميل اميل لحود، كما يكشف كيف أن السيد حسن نصرالله كان في جو الصفقة وكذلك الرئيس بري، وكيف ان الرئيس بشار الأسد اعطى موافقته بعد اطلاعه على التفاصيل من شقيقه ماهر الأسد.
7 أيار 2005، تاريخ عودة العماد عون من فرنسا، أسقط 13 تشرين الأول 1990، تاريخ لجوئه إلى السفارة الفرنسية وسقوط قصر بعبدا، إذاً بماذا يحتفل؟ ولماذا يعيب على رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه حدد موعداً لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 13 تشرين؟
الصفقة كشفها الإستاذ بقرادوني تحت عنوان «مبادرة لعودة الجنرال ميشال عون ونصَّت: «أن يسهر رئيس الجمهورية بالتفاهم مع دمشق على إقفال كل الملفات والدعاوى القضائية المقامة ضد الجنرال عون ورفيقيه عصام أبو جمرة والجنرال أدغار معلوف، وتسديد التعويضات المستحقة لهم، وتسوية سلاح «حزب الله» بالحوار معه ومن دون اللجوء إلى استخدام القوة، والتأكيد على ضرورة تحسين العلاقات اللبنانية – السورية المميزة.
هذا حرفياً ما ورد في المبادرة – الصفقة بحسب كتاب بقرادوني «صدمة وصمود»، وهذا يعني، في الاستنتاج، أن تفاهم مار مخايل بدأ في الـ2005 وليس في الـ2006 وأن «تطبيع» العلاقة مع سوريا سبق عودته.
هكذا، الرئيس عون صفح عن سوريا حتى من دون أن تعتذر له، فزارها ونام فيها، ومنذ تاريخ عودته إلى لبنان منذ سبعة عشر عاماً، ووجوده في رئاسة الجمهورية منذ ستة أعوام، لم يقل كلمة «عاطلة» بحق سوريا، زار دمشق ولم يفتح موضوع المفقودين والمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، لم يطالب بقاتل الرئيس الشيخ بشير الجميل، حبيب الشرتوني، الذي هرَّبه الجيش السوري من سجن رومية إثر عملية 13 تشرين، وتوجه إلى سوريا. التطبيع بينه وبين النظام السوري فعلٌ يومي ويتولاه مستشاره الوزير السابق بيار رفول، فلماذا يعيب على الرئيس بري تحديده جلسة انتخاب الرئيس في 13 تشرين؟
الرئيس عون، ومعه رئيس «التيار» جبران باسيل، نسيا ذكرى 13 تشرين، فلماذا يريدان من الرئيس بري أن يتذكرها.
الأوْلى بالعتب على الرئيس بري هم أهالي شهداء 13 تشرين الذين تركهم العماد ميشال عون يقاتلون على محاور ضهر الوحش وضهر الصوان وبيت مري وكلية العلوم. في ضهر الوحش حيث استشهد ضابطان و28 بين عسكري ورتيب، وهؤلاء جميعاً قتلوا إعداماً وفق ما يؤكد أحد الضباط من اللواء العاشر الذي كان يتولى منطقة ضهر الوحش، ودير القلعة في بيت مري حيث سقط 12 شهيداً إعداماً بقنابل يدوية.
حصلت تلك المجازر والإعدامات فيما الجنرال عون قد أصبح في السفارة الفرنسية، وتولت الإذاعة اللبنانية التي كانت تبث من الفنار، بث «بيان الاستسلام» وتلقي الأوامر من العماد اميل لحود، علماً أن الجيش على الجبهات لا يملك «ترانزستور» لسماع بيان وقف النار. الجدير ذكره أن العميد السوري علي ديب الذي وصل إلى قصر بعبدا، طلب إلى إيلي حبيقة نقل زوجة الجنرال وبناته الثلاث اللواتي كن في القصر، إلى السفارة الفرنسية ليلتحقن بالجنرال.
إنه التاريخ يا سادة، لا يخطئ ولا يصح اعتباره وجهة نظر. حين تخدش ذكرى 13 تشرين قسماً من اللبنانيين، فالمسؤولية عن هذا الخدش تقع على عاتق مَن نسوا هذه الذكرى فاحتفلوا مع المتسببين بها، ناسين ضحاياها.
ضباط تلك المرحلة ولا سيما أولئك الذين تولوا مسؤوليات ميدانية في ضهر الوحش وكلية العلوم وبيت مري وضهر الصوان، يتذكرونها بأسى، ولسان حالهم يقول بأسف وألم: بعد كل الدماء التي سالت، هل يجوز أن يعود العماد عون إلى لبنان بصفقة مع السوريين؟
13 تشرين هي ذكرى أليمة لشهداء من الجيش سقطوا خلالها، وليست ذكرى لـ»التيار» الذي وضع يده على الذكرى وفق آلية «الإستغلال»، ويوماً ما يُفترض بالمؤسسة العسكرية أن تسترد الذكرى من مستغليها.