يوم اهتز لبنان والعالم في 14 شباط العام 2005، لم يخطر للبنانيين وهم يختارون طريق التحقيق الدولي والمحكمة الدوليّة، أنّ هذا الطريق سيمتدّ حتى اليوم، وإلى أبعد منه، وأنّهم ووطنهم سيبقون مقيمين على حافّة الهاوية عشر سنوات، ولم يخطر في بالهم أن النهار المظلم الذي خيّم على لبنان مع اغتيال رفيق الحريري، سيمتدّ ظلامه عشر سنوات، ولا أن كلّ الأحداث اللاحقة لهذا الاغتيال ستكون دمويّة وأنهم سيعيشون على حافة الهاوية لعقد من الزمن، ولا نهاية واضحة حتى اليوم لهذا النفق الطويل المظلم، ولا يستطيع أحدٌ منّا أن يُنكر أنّه مرّت علينا أيام محبطة، وأوقات اكتئاب أو تشاؤم عام، شارفت أحياناً حدّ اليأس، إلا أنّ ما لا نستطيع أن ننكره أنّ اللبنانيين لم يتخلّوا في أيّ يومٍ من هذه الأيام السود عن «الحقيقة» ولا عن «المحكمة الدوليّة»،بالرّغم من كلّ الذين»هرهروا» وغيّروا وبدّلوا و»كوّعوا»…
وخلاصة السنوات العشر كلّها هي «المحكمة الدوليّة»، ودونها خاض اللبنانيّون مواجهات حادّة، مع فريق واحد هو «الممانعة»، أو حزب الله وإيران، التي دخلت على خطّ المحكمة من أعلى أبوابها عبر فتوى للمرشد الإيراني علي الخامنئي في21 كانون الأول من العام 2010 اعتبر فيها «أن المحكمة شكليّة، ومرفوضة، وأي قرار أو حكم سيصدر عن المحكمة يعتبر باطلاً ولاغياً»؛ أو مطالبة حسن نصر الله اللبنانيين في 28تشرين الأول 2010بـ «مقاطعة المحكمة الدولية ولجنة التحقيق تحت توصيف أنّها إسرائيليّة»، داعياً يومها «كل مسؤول ومواطن لبناني إلى مقاطعة المحققين الدوليين وعدم التعاون معهم (…) لأن كل المعلومات تصل إلى إسرائيل»!!
ربما كانت واحدة من لحظات ذروة الإحباط التي عاش مرارتها الشعب اللبناني ، هي لحظة الانقلاب الجنبلاطي، والتي اختصرتها تلك الجملة في 1 شباط من العام 2011 :»فليعذرني الرئيس الحريري،ما من أحد يدوم»، «استسلم» وليد جنبلاط ولم يستسلم اللبنانيّون، كانت لحظة إحباط كبرى عندما خرج الرّجل ليقول لنا:»هذه المحكمة تقول بصراحة إن طائفة معينة قتلت زعيم طائفة أخرى، ولكن نستطيع أن نخفّف تلك النتائج، وأن نعيش في شكل مقبول، ولتقل المحكمة ما تريد قوله لأن هذا ليس من شأننا، في الداخل علينا أن نعيش وأن نتجنب الحرب المذهبية»، لم تندلع الحرب المذهبيّة مع أنّ أجراسها تقرع بشدّة في المنطقة، وبالرّغم من أنّ حواراً ناشئاً يدور اليوم بين تيار المستقبل وحزب الله تحت عنوان «تنفيس الاحتقان»، إلا أنّ قناعتنا التامّة أنّ حزب الله ذهب إلى هذه «المناورة» لحاجته الداخليّة لها، بعدما رفض طوال سنين الردّ على يدِ سعد الحريري الممدودة على مدى سنوات، والتي انتهت إلى تهجيره ونفيه قسراً من لبنان، تحت وطأة تهديد دائم باغتياله!!
في 26 أيلول من العام 2013، كتبنا لمرّة جديدة عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحت عنوان «حزب الله وأكثر من الضغط على الزناد» في 21 كانون الأول العام 2012 كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان:»أنيس النقّاش وتحليله لاغتيال الرئيس الحريري»،ومن المفيد اليوم أن نعيد القارئ بالذاكرة إلى أول من كشف عن تورّط إيران وحزب الله في اغتيال الرئيس الشهيد ومن دون أيّ لبس أو غموض كان أنيس النقاش نفسه وعن غير قصد يشير إلى أن الحريري كان الرجل العائق الكبير والوحيد أمام المشروع الإيراني للبنان، واقرأوا جيداً ـ حديث النقاش التلفزيوني منشور بحرفيته على موقع قناة الجزيرة ـ فمساء السبت 26 شباط من العام 2005 «أطلّ أنيس النقاش في حلقة من برنامج بلا حدود من على شاشة الجزيرة مع أحمد منصور وقدّم تحليله لأسباب اغتيال الرئيس رفيق الحريري،هذه القراءة السياسيّة كانت عيون اللبنانيين في عمىً عنها وفي صمم عن استيعاب خطورتها… تلك الليلة قال النقاش ما لو قرأناه اليوم لأدركنا جيداً لماذا وقف حزب الله ضد المحكمة الدولية والتحقيق الدولي قبلها، ولماذا وقف أمين عام حزب الله يوم 8 آذار 2005 ، ولماذا كان الحزب يحتاج إلى تمرير الوقت فقط ، ولاحقاً لماذا وقعت حرب تموز 2006!!
ذاكرة اغتيال رفيق الحريري ثقيلة في استعادتها، لأنّنا نستعيد معها «مرارات» ذاقها اللبنانيّون وحدهم، قبل أن تندلع الثورات في المنطقة ويضطرب حبل الأمن على امتداد رقعتها، في 10 كانون الثاني من العام 2012، أجاب روبرت بير المسؤول السابق في الاستخبارات الاميركية الـ CIA عن سؤال:»هل انهارت نظريتك عن السيطرة الإيرانية الشيعية على الشرق الأوسط؟»، فقال: «كلياً، انهارت وماتت»، هذه النظريّة هي التي دفع رفيق الحريري حياته ثمناً لتمريرها، ودفع لبنان كوكبة من خيرة أبنائه ثمناً لتمدّد حزب الله وسيطرته الإيرانيّة على لبنان لتنفيذ هذا المشروع، بعد عقد من الزمن علينا الانتظار قليلاً، فالمشروع الذي استغرق بناؤه من العام 1979،يحتاج بضعة أعوام ليلفظ أنفاسه الأخيرة…