من عناء الذاكرة اللبنانيّة تساقط معظمها على رصيف يومياتنا المثقل بالمعاناة، بعض العناوين يكون قريباً بتاريخه ومع هذا لا يذكره اللبنانيّون، بالكاد تجد من يتذكر اليوم الضجيج الهائل الذي أحدثه نشر موقع «فردا نيوز» الإيراني في آذار العام الماضي حديثاً قال إنّه لأمين عام حزب الله حسن نصرالله خلال لقائه مواطنين إيرانيين، وقامت قيامة إعلام حزب الله الذي نفى الحديث جملة وتفصيلاً، استعادة قراءة ما نشره الموقع الذي اضطر إلى حذفه والاعتذار من حسن نصرالله، بعد عام على نكران هذا الحديث وفي مثل هذه الأيام تقريباً وفي هذه المرحلة تحديداً أمر يستدعي التأمّل جيداً في تفاصيله، وإعادة قراءته وبتأنٍ شديد، بعيداً عن الاستغراق اللبناني في التواطؤ على النفس!
منذ ثلاثين عاماً لم يقدّم حزب الله نفسه إلا جزءاً من إيران في لبنان، بل أداتها في لبنان، ومنذ البداية لم «يغشّ» حزب الله أحداً لا في لبنان ولا في العالم العربي، ألم يُعرّف حزب الله عن نفسه بالإجابة على سؤال «من نحن» في البيان التأسيسي في شباط العام 1985 [جريدة السفير 17 شباط 1985] في تعريف واضح للهويّة: «نحن أبناء أمة حزب الله التي نصرالله طليعتها في إيران وأّسّست نواة دولة الإسلام المركزية في العالم . نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه. ويتولّى كل واحد منا مهمّته الجهاديّة وفقا لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد»، ونقطة على السطر.
في ذاك الحديث الذي أنكره حزب الله وأنكره موقع «فردا نيوز»، نقل عن نصرالله قوله: «نحن ولدنا مع الثورة الإيرانية، لقد حصلنا على حياتنا ووجودنا من خلال الثورة، وأهم تجربة لولاية الفقيه في الخارج كانت في لبنان، وإذا كنا الآن أحياء ونعيش بعزة وكرامة، فذلك ليس بسبب السلاح والمال، بل بسبب اعتقادنا بولاية الفقيه، ونحن نؤمن أن طاعة ولاية الفقيه هي طاعة المعصوم، مكانة ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني، ونعتبر تنفيذ أوامر ولي الفقيه واجبا إجباريا»، لا يحتاج هذا الكلام إلى استدعاء تأكيد من هنا ونص من هناك، مئات الوثائق والأحاديث والإطلالات لأمين عام حزب الله تؤكد هذه الحقيقة، مهما حاول تجاهلها في إطلالته يوم الثلاثاء الماضي.
اللبنانيون غشّوا أنفسهم بأنفسهم عام 1993 وعام 1996 وعام 2006، وساروا في «التطبيل والتزمير» لما سُمّي خدعة بـ»المقاومة»، و»أمّة حزب الله» هذه التي «نصرالله طليعتها في إيران ـ بحسب زعم البيان التأسيسي لهوية حزب الله ـ «أّسّست نواة دولة الإسلام المركزية في العالم»، وبناء على دولة الإسلام المركزيّة في العالم هذه، تخوض «أمّة حزب الله» معركة احتلال سوريا مع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، في هويّة دينية واضحة لهذه الحرب التي تخوضها «أمّة حزب الله» تحت عنوان «لبيك يا حسين» إلا حرب «شيعيّة إيرانيّة»، و»الشيعيّة الإيرانيّة» لا علاقة لها بأي «شيعيّة» أخرى من خارج مشروعها بل تجد فيها لها عدوّاً يجب سحقه، ومع هذا نجحت إيران في زرع هذه الشيعيّة في لبنان والبحرين والكويت والعراق والسعودية والإمارات وكلّها خلايا مستيقظة وتترقب.
ميرڤت سيوفي