ابن بيت ورجل دولة الرئيس تمام سلام. يعرف الصحّ من الغلط مثلما يعرف التفريق بين الذاتي والعام: عندما يتحرك لدعم موقع الرئاسة الثالثة والرئيس سعد الحريري ينطلق من زاوية مذهبية ليصل الى الرحابة الوطنية الجامعة. وليس العكس! أي إنه لا “يتصرّف” بالشأن العام لأن مصلحة المذهب تستدعي ذلك وإنما لأن الاستقرار الوطني ومقتضيات الميثاق والعيش الواحد تحكم بذلك.
وهو عدا عن هذا، ومن حيث المبدأ أمين حصيف لتراث بيته ووالده الرئيس الراحل صائب سلام الذي آمن ببديهيات وطنية جامعة برغم كل الظواهر المعاكسة التي أنتجتها حروب لبنان منذ انفجارها العميم في العام 1975.. وبقي على قناعاته تلك من دون نكوص ولا مساومة: إلتصق بها وجدانياً وسياسياً وإن ابتعد جغرافياً. وبقي “لبنان الواحد” ذروة تكثيف رؤاه النبيلة والمنطقية حتى في ذروة الانحطاط وتفلّت الغرائز.
ومقتضيات العدل تقضي بإكمال الحكاية.. الرئيسان فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي يقرآن في الكتاب ذاته الذي يقرأ فيه الرئيس تمام سلام.. والثلاثة في الإجمال، يعرفون اللحظة وحراجتها ويسلكون الدرب ذاته: موقع الرئاسة الثالثة جزء من واقع عام وليس شأناً ذاتياً. والتعرّض له من أبواب ملتبسة سياسياً، فيه شطَط يطال الميثاقية مثلما يطال الاستقرار الوطني مثلما يطال مشروع الدولة ويصيبه بأضرار فائضة على التي فيه أصلاً.
وقبل ذلك وبعده: الرؤساء الثلاثة يعرفون أن البديهيات الجامعة التي يتمسك بها الرئيس سعد الحريري ليست صادرة عن نوازع أنوية خاصة، بل يصحّ الظن بأنها (على ذلك المستوى الشخصي) مُكلفة ومُتعبة وليست مُربحة ومُريحة. وإن مخاطرها ماثلة أمام الجميع.. وسبق أن كلّفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، حياته ذاتها.. وبالتالي، فإن إشهار الدعم لموقف الرئيس المكلّف هو أمر تستدعيه فرائض البديهيات التسووية بقدر ما تستدعيه ضرورات الحفاظ على اعتدال الميزان السلطوي الميثاقي والدستوري استناداً لما توافق عليه الجميع في الطائف مبدئياً وبقدر ما تفرضه أحوال لبنان التي يعرفها الصغير والكبير والقريب والبعيد.
ولو كان الأمر غير ذلك لارتضى الرئيس الحريري، التراخي في التزام تلك البديهيات من أجل نوازع خاصة أو طموحات إضافية شخصية! في حين أنّه فعل ويفعل العكس ولا يتردد لحظة في إشهار موقف جذري هو تشليح المبتزين سلاح الابتزاز: “فتشوا عن غيري”! تماماً مثلما فعَلَ والده الراحل قبله برغم وطأة الوصاية الأسدية وملحقاتها الذئبية! تمسّك بالأصول الدستورية والوطنية. ورَفَض الموقع الديكوري، مثلما رفض المسّ الخطير بذلك الميزان الميثاقي انطلاقاً من رفضه المسّ بروحية التسوية العامة التي أوقفت انحدار لبنان الى التلاشي.
موقف الرئيس الحريري اليوم مبدئي بقدر ما هو عملي وواقعي وسياسي: الوضع اللبناني في الزاوية الحادة وليس في الوسط الرحب. والتلاعب بخفّة في شؤونه التوزيرية يستبطن مخاطر أكبر من العنوان الموضوع للمشكلة المطروحة، ولا أحد (مبدئياً) يملك ترف التسلّي أو المناورة إزاءها… والفارق بين الذين يدعمونه في موقفه وبين الذين يحاولون انتهاز لحظة التأزّم لبناء حيثيات خاصة، هو ذاته الفارق بين رجال الدولة وغيرهم!
علي نون