في بلد العجائب حتى الحلاقة “عالدولار”
حتى الحلاقة عالدولار، اذ تخطّت قَصّة الشعر الرجالية العادية الـ60 الف ليرة، والقَصّة عالموضة تجاوزت الـ100 الف، ما يضع الشباب بين فكي كماشة الموضة وسعرها والعادية، حتى بات التحسّر على حلاق أيام زمان: موسى وشفرة ومراية من دون تدخل للكهرباء. الأخيرة فرضت سعرها على الحلاقة، فالقَصّة تُحسب على الدولار، والمتمّمات الجمالية أيضاً من GEL الى MASK، فـ”الجمال الو سعرو هالايام” وفق تعبير الشباب، ممن أحجم بعضهم عن اتباع الموضة، أو الذين يقصون بالدين وآخر همّهم. فالموضة سرقت الجيل الشاب من اهتماماته الأساسية وباتت تسريحة الشعر أهم من الأكل، ومساجات الوجه أولوية عكس الدواء. فالجيل الذي يتعشش داخله الفساد الافتراضي وفراغه، من الصعب أن يعترض على ارتفاع تسعيرة الحلاقة، تماماً كما تطنيشه عن أزماته الحياتية.
في صالون الحلاقة الرجالية تتعرف الى شباب يلهثون خلف تسريحة الممثل “الفلاني” وقصة المغني “العلتاني”، هنا لا حديث يعلو فوق حديث الموضة الوافدة من الافلام، ولا صوت يخترق صوت السيشوار سوى صوت شاب جاء على عجل لتسريح شعره مثل ميسي وغيره. فالهوس بالموضة لم يفتح الشهية على الاعتراض على ارتفاع اسعار الحلاقة التي لحقت بدورها كل شيء وباتت عالدولار فيما الرواتب عاللبناني، ولأن الشباب في عالمهم الافتراضي يصبح المثل القائل “قصة وتسريحة عالموضة ولو وصل حقّن للمية”، خير شاهد على مدى تفلت هذا القطاع الذي يعيش عصره الذهبي أكثر من الماضي، اذ فاقت ارباح الحلاق أربعة أضعاف الربح سابقاً وان لم يعترف هؤلاء صراحة وأعلنوا أنهم يسجلون خسائر بسبب فواتير الاشتراك، غير أن الحلاق محمد يقرّ بارتفاع نسبة الارباح وان الحلاقة التي كانت سابقا بـ5 آلاف باتت اليوم بـ60 الفاً أي بزيادة 12 ضعفاً فيما تكلفة الحلاقة على الصالون لا تتجاوز الـ10 آلاف ليرة، ويعتبر محمد أن الحلاق اليوم يعيش عصره الذهبي خاصة في ظل عدم قدرة الشباب على التخلي عن الموضة بل زاد تعلقهم بها أكثر، ربما كنوع من الهروب من واقعهم المظلم.
يوافق فراس محمد الرأي، وفراس شاب مهووس بالموضة يقصد الحلاق اسبوعياً، تارة يخضع شعره للواكس وطوراً لحلاقة المضلعات وأحياناً يقوم بوضع ماسكات لوجهه للحفاظ على نضارته، لانه يعتقد أن الجمال والموضة فشة خلق من هموم الحياة وان كلفته نصف معاشه، فهو اعتاد ممارسة هذا الطقس “ومن الصعب ان اتخلى عنه ولو بدي ابقى بلا أكل”.
في منطقة النبطية مئات الحلاقين وعشرات صالونات الحلاقة الرجالية، بعدما كانت سابقاً لا تتخطى اصابع اليد وتعتمد الحلاقة اليدوية، أما اليوم فدخلت الآلة على الخط، وشهدت صالونات الحلاقة الرجالية نقلة نوعية وفورة وسباق من يمتهن القصّات الغريبة، غير أن الأزمة فرضت نفسها، وأحدثت خضة في بدايتها قبل أن يندفع الحلاقون باتجاه رفع الاسعار التي تخطت الـ60 الف ليرة ومرجحة للارتفاع بحجة ارتفاع الدولار والاشتراك، هذا الارتفاع دفع ببعض الاشخاص للبحث عن حلاق رخيص يتماشى مع وضعه الحالي، وهؤلاء ليسوا من هواة الموضة، بل من المكتفين بحلاقة بسيطة، وبعضهم عاد لماكينته القديمة تخفيفاً للاعباء كما يقول ابو يوسف الذي يؤكد أنه بات عاجزاً عن حلاقة شعره شهرياً واحياناً يبقى شهرين من دون حلاقة، وعاد لحلاقة ذقنه في المنزل. فبحسبه، كانت حلاقة الذقن قبل الازمة بـ5 آلاف ليرة واليوم باتت بـ30 الف ليرة ، اي ما يوازي يوم عمل “وهذا حق لأولادي”. كذلك فعل فؤاد الذي يستغرب الاسعار الهستيرية للحلاقين، فوفق قوله “القصة بدا مقص والمقص ما بدو كهرباء فشو سبب هالغلاء؟ بدّن يدفعو الاشتراك ع حسابنا”.
بين غير مبالٍ بالاسعار وبين من اكتوى بها، المؤكد ان الحلاقة الرجالية تعيش عصرها الذهبي ويحقق اصحابها ارقاماً خيالية لا تقل أهمية عن الميكانيكي والبنشرجي وكل من يتقاضى بالدولار، أما الذي يقبض باللبناني فصارت الحلاقة بالنسبة له من الكماليات، وربما ومن غير المستغرب أن نشهد عودة حلاقين من الزمن الجميل يعتمدون المقص والمشط والشفرة فقط في الحلاقة تخفيفاً للاعباء الاقتصادية عن كاهل الناس.
ففي بلد العجائب لبنان حتى الحلاقة باتت عالدولار.