في خلفية لقاء باريس تحضر، في سخرية الأقدار، مذكرات فؤاد بطرس. فيها يصف الأخير انتخابات عام 1970 بالأشرس. يقول ما حرفيته: «…غير أننا كشهابيين لم نفكر بغير حاكم مصرف لبنان الياس سركيس مرشحاً لنا، وقد أشارت الدلائل الأولية كلها الى فوزه وإن بفارق غير كبير. الى أن أعلن سليمان فرنجية ترشحه بعدما فاتحه بالأمر الرئيس كميل شمعون وأقنعه به… وكان ما كان من انتخابات هي الأكثر تنافسية بتاريخ الجمهورية اللبنانية والتي فاز بها الرئيس فرنجية بفارق صوت واحد». حينها، يروي سياسي مخضرم، أجرى جوزف سكاف «البوانتاج» اللازم للقوى المسيحية، من شمعون الى ريمون إده وبيار الجميل، وأسرّ لهم «وصفة الفوز»: «لكي تربحوا المعركة على الشهابية يجب أن تنتخبوا سليمان فرنجية».
قد يبدو اليوم شبيها بالأمس وقد لا يبدو. فالمسألة معلقة على كون ما اذا كان المطروح عبر الهواء الباريسي يرقى الى مستوى ما يسمّيه البعض «التسوية الناعمة»، أو أنه مجرد سلوى سياسية يخشى البعض أن تؤخذ على محمل الجد فتتحول «بلوى».
في كل الأحوال، فإن العماد ميشال عون هو المعني الأول. الزعيم المسيحي تلقف سريعاً الكرة. يشرح نائب في التكتل البرتقالي: «كلام الجنرال واضح لفهمه مجرى الحدث الفتنوي. لقد استوعب الحدث ورده لأصحابه بأحسن مما يأملون». ويتابع عن كل ما يقال عن لقاء فرنجية – الحريري: «كلام لا معنى له إلا من باب تكملة مشروع توسيع الهوة بين أطراف الصف الواحد المنوع. إنه بمثابة إنذار لجعجع وإرباك لحزب الله وإزعاج لعون وإغراء لفرنجية وإغراق للساحة بتناقضات متعددة لدى الجميع».
أزعجت المسألة جنرال الرابية. لكن في فرضية أن يصل فرنجية الى الرئاسة، يقول عارفو عون إنه سيقدم مرة أخرى دليلا على أنه، في المحطات المفصلية، يغلّب مشروع الجمهورية على طموحه الرئاسي، لا سيما اذا كان الرئيس العتيد حليفه الشخصي والسياسي «لكن الجميع سيتأكد حينها أنه ممنوع على لبنان أن تنصف فيه الزعامة المسيحية الحقيقية الأقوى».
في المقلب القواتي، المشهد أكثر تعقيداً. فلن يختلف اثنان على أن خيار سمير جعجع للرئاسة بين عون وفرنجية سيكون حكماً «الجنرال». هل حقاً هي مناورة لوضع جعجع أمام القرار الصعب والسير بعون رئيسا؟ في الواقع، هذا هو المطلوب من قائد «القوات» على ما يرى متابعون. فبرأي هؤلاء، يجب أن تكون ردة فعل جعجع بأن يتفق مع عون على قانون انتخابات على أساس النسبية معطوفة على التزامه بتأييد الجنرال للرئاسة «وهكذا يكون قد استعاد وهجه كقطب مسيحي وازن ويقلب الطاولة على حلفائه ما داموا قد ضحوا به».
«الزئبق» إذاً في يد جعجع من أجل تبيان خيط التسوية الموعودة من خيط المناورة ـ السلوى. ويذهب نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي الى أبعد من ذلك متسائلا: «ماذا لو أعلن جعجع ترشيحه للعماد عون الآن؟ وماذا عن شعرة معاوية التي ستقطع عندها بينه وبينه المستقبل؟». عرّاب القانون الارثوذكسي يستحضر «ظاهرة» مخايل الضاهر إبان الأزمة الرئاسية في التسعينيات ليقول: «يجب ان تقود الأمور الزعيمين المسيحيين الى إعادة إنعاش القانون الأرثوذكسي الانتخابي الذي كاد في السابق أن يبصر النور لولا نكث جعجع بوعوده».
لا يستبعد الفرزلي أي فرضية، خصوصا في ظل الأيام الوردية لورقة التفاهم بينهما والتبني المفترض للحريري ترشيح فرنجية الذي وجه «ضربة قاضية» لتحالفه مع «الحكيم». فهي تعني تخليه عن ترشيح الأخير الذي يقدم على أساس أنه المرشح الرئاسي الرسمي لفريق «14 آذار»، ناهيك عن أن «ورقة الدم» التي لا تجف بين بنشعي ومعراب وانعكاس التسوية المفترضة على زعامة قائد «القوات» التي قد يهدد أفقها بالإلغاء.