Site icon IMLebanon

«الرجل الزئبق»  

 

يأمل اللبنانيون ألاّ يصح فيهم قول اللواء عباس  إبراهيم، أمس في معرض التساؤل: « هل نحن نحترف تبديد نجاحاتنا؟». طبعاً هذا الكلام جاء في معرض العموميات ولم يأت حصرياً في ما شهدته الساحة المحلية من تطورات بارزة في خلال اليومين الماضيين من نشاط حثيث محوره الرئيس سعد الحريري مع أطراف عديدة، أبرزها اللقاءات مع الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل والوزير علي حسن خليل والنائب وائل أبو فاعور الذي كان عائداً للتو من زيارة خاطفة الى المملكة العربية السعودية.

 

والواضح أن «شيئاً ما» حصل منذ صباح يوم أول من أمس الخميس كسر حدّة الجمود في مسألة التأليف الحكومي وأعاد جمع الأنقاض في لقاءات كسرت جليداً متراكماً من جهة، وأزالت بعضاً من العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة من جهة ثانية.

ماذا حصل؟ هل هو الوحي الذي هبط على القوم فجأة. والوحي ليس يُعرف متى ينزل، فهو على حدّ تعبير الأخوة المصريين: «دي حاجة بتاعة ربّنا». أدام اللّه هذه «الإنتفاضة» الإيجابية التي كان الرئيس المكلف محورها بانتقاله الى عين التينة وعقده لقاء إستثنائياً مع الرئيس نبيه بري، قيل إنه أدى الى نتائج فورية أبرزها مباشرة رئيس مجلس النواب حراكاً لتسهيل التأليف مع حليفه (أو أحد حلفائه) النائب السابق وليد جنبلاط الذي يبدو أنه صاحب العقدة الوحيدة التي لم تُزحزح بعد، وإن كان متوقعاً أن تصيبها عدوى الحلحلة، لأنّ أحداً في لبنان، وفي هذه المرحلة بالذات، غير قادر على أن يتحمل أعباء تهمة العرقل!

ولكن حتى موعد كتابة هذه الأسطر، مساء أمس، لم يكن جنبلاط قد تزحزح بوصة واحدة عن إصراره على التمثيل الدرزي كاملاً غير منقوص…

إلاّ أن خبيراً في التأليف وقبله في الإستقالة وبعده في البيان الوزاري فالثقة… هذا الخبير الذي يزعم معرفة عميقة بجنبلاط يقول إن وليداً لا يمكنه أن يعيش طبيعياً خارج إطار السلطة، وهو بالتالي سيمشي بالتي هي أحسن عندما يحين أوان ختم مرحلة الشروط والشروط المضادة بالشمع الأحمر. وهذا اليوم لن يكون بعيداً… فالمؤشرات كلها تشير الى ذلك خصوصاً وإن وليد بيك أدمن السلطة فهي  بالنسبة إليه بمثابة المياه بالنسبة الى السمك.

وإن كان صحيحاً أنّ الرئيس بري سيأخذ سيّد المختارة على عاتقه، فإن الرئيس الحريري سيأخذ الدكتور سمير جعجع على عاتقه كذلك.

ولكن يبقى السؤال: من يستطيع أن يأخذ الوزير جبران باسيل على عاتقه؟!

الجواب أن باسيل خارج قدرة أحد على الاحتواء والإستيعاب لأنه يبني مواقفه على التحدي، ويجيد لعبة المشاكسة، ويستهوي الشعار الذي يجمعه بشاعر العرب الأكبر أبي الطيب المتنبي الذي قيل فيه: ما إجتمع إثنان إلاّ وكان باسيل ثالثهما. فليس عادياً الآتي: لا تصدر صحيفة إلا يستأثر باسيل بمحلياتها (معه حيناً، وضدّه في كل حين). أضف الى ذلك الوصف الذي أطلقه عليه سفير أوروبي بقوله إنني أرى باسيل L’Homme Mercure الرجل – الزئبق الذي يتعذّر ضبطه. وتلك في أي حال ميزة وفرادة أيضاً في رأي الكثيرين.