Site icon IMLebanon

الإستحقاق المؤجل ينتظر ثوب الدوحة

في كل يوم ثمة ما يقتضي ان ينتظره اللبنانيون ـــ ولا يباغتهم ـــ كي يتحققوا من ان انتخاب رئيس للجمهورية ليس وشيكا ابدا. في كل نهار يمر بمفاجآته، يوغل الاستحقاق الرئاسي اكثر من ذي قبل في الانطفاء

كان ينقص الخلاف على موقف وزير الخارجية جبران باسيل، في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وتصاعد ردود الفعل السلبية عليه في الغداة، كي تتسع هوة الانقسام في الداخل، وتجعل اي فرصة للخوض مجددا في انتخابات رئاسة الجمهورية مستحيلة تماما. بل يبدو الاطراف يقاربون الاستحقاق على انه ولى الى زمن غير معروف، ما يقتضي ملء الشغور بتبادل المناورات وعض الاصابع.

وعلى وفرة التشدد الذي اظهره البيان الختامي للوزراء العرب، الا ان مراجع رسمية قريبة من مداولات اجتماع القاهرة تبدي اعتقادها بأن طرفي المواجهة السعودية ــــ الايرانية بلغا ذروة التنشج ومحطته الاخيرة، ما يجعلهما يكتفيان بهذا المقدار من التصعيد والاتهامات المتبادلة، ومن ثمّ يراوح كل منهما في الموقع المناوىء الذي اتخذه من الآخر ربما لوقت غير قصير. يعكس هذا الانطباع موقف الغرب وخصوصا واشنطن وموسكو ــــ بما في ذلك انقرة التي انضمت اليه ــــ بدعوته منذ اليوم الاول الى التهدئة والحوار، وتخفيف وطأة التوتر في المنطقة. ناهيك بالموقف العربي الجامع المتضامن مع الرياض في رفض التدخل الايراني في الشؤون العربية. وهو بدوره اقصى ما يمكن ان تلتقي عليه الجامعة العربية.

وتبعا ليقينها بان التصعيد لم يفضِ مرة الى تسوية، بل مهّد لها، تبدو المراجع الرسمية اكثر وثوقا بأن اشتباك العاصمتين استنفد معظم ما يتوخاه، وهو ان اي معالجة لاي من الملفات الساخنة في المنطقة، من اليمن الى لبنان، تحتاج الى وجود الدولتين الجارتين اللدودتين الى طاولة واحدة.

على ان ما تستخلصه المراجع الرسمية اياها ان الاستحقاق الرئاسي، في ظل التصعيد الاقليمي الحالي، بات اصعب منالا، آخذة في الحسبان بضع ملاحظات:

اولاها، انها المرة الاولى تقريبا يجد لبنان نفسه، والاستحقاق الرئاسي خصوصا، يعبر في مرحلة استقرار داخلي فيما الخارج صاحب اليد الطولى فيه يتخبط في غليان واضطرابات. في الغالب امكن الخارج الهادىء المستقر استيعاب تداعيات ازمات الداخل اللبناني وانفجارها احيانا، وحمل الافرقاء على ابرام تسويات محلية على غرار ما حصل في الامس القريب مع اتفاقي الطائف والدوحة، وكلاهما اعاد تكوين السلطات بدءا من انتخاب الرئيس، مرورا بتأليف السلطتين الاجرائية والاشتراعية تدريجا.

في ظل فوضى عارمة تضرب المنطقة وتُفاقم نزاعات دولها المتجاورة، يصبح من المتعذر توقّع تفاهم اقليمي على مشكلة لبنانية، كالاستحقاق الرئاسي، لا تشكل تهديدا داهما في الداخل والخارج على السواء. ورغم ان الرياض وطهران تتفاديان المواجهة المباشرة في لبنان على غرار ما يحدث في اليمن وسوريا، الا ان ايا منهما لا يتخلى عن سلاح الفيتو الصارم في انتخابات الرئاسة اللبنانية، لمنع وصول مرشح ينتمي الى هذه العاصمة او تلك، او يُنتخب باسمها ودعمها منفردة.

ثانيها، مع ان الحرب السورية بلغت ذروتها عام 2014، وكذلك الاشتباك السعودي ــــ الايراني عليها والاميركي ــــ الروسي ولم تكن موسكو دخلت طرفا مباشرا فيها، اتاح الحد الادنى من التوافق الاقليمي ــــ ومن خلاله الدولي ــــ عامذاك تأليف حكومة الرئيس تمام سلام قبل شهرين فقط من نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، وفي حسابات افرقاء الداخل والخارج على السواء تعذّر انتخاب خلف له. اتاح هذا التوافق ليس تأليف حكومة فحسب، بل فرض ما يشبه قيادة جماعية لحكم البلاد، كانت بدورها اقرب الى رئاسة مستعارة موقتة، بديلة في الوقت نفسه ضمنت الاستقرار الداخلي من خلال مشاركة فريقي 8 و14 آذار فيها، وتركت لهما ان يختلفا ما شاءا دونما اهتزاز الامن الداخلي.

وهو واقع ما تخبره حاليا حكومة سلام. تحول خلافات وزرائها على ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، كما على ملفات لا تحصى، دون وصول انقسامهم الى الشارع وتعريض الاستقرار لخضات. وهو مغزى ما عناه انقطاع مجلس الوزراء عن الانعقاد شهورا ما ان بدا اقل ضررا وسهل الاستيعاب.

ثالثها، لم يعد من السهولة بمكان الخروج بتسوية مغايرة لنموذج 2008 الذي مثله اتفاق الدوحة برعاة اقليميين ودوليين حتميين، ذوي كلمة فصل في فرض الاتفاق. تفاهم الافرقاء المحليون وقتذاك على سلة حلول متكاملة في رزمة واحدة، اول بنودها انتخاب الرئيس. الا ان بنودها الاخرى لم تكن اقل اهمية كتقاسم السلطة في مجلس الوزراء، ووضع قانون جديد للانتخاب يأخذ بدوره في الاعتبار موازين القوى في السلطة الاجرائية، كي يعكسها في اول انتخابات اشتراعية تقبل عليها البلاد. وهو ما توخته تسوية الدوحة بغية اخراج لبنان من مأزقه، وتبعا لذلك تطبيقها بحذافيرها بلا اخلال، كي تمسي اليوم الثوب المناسب للاستحقاق الرئاسي الحالي. بل الحري القول انه ما آل اليه من قبل اتفاق الطائف عندما اتى اول مجلس نيابي منتخب عام 1992 على صورة سيبة الحكم، ثم الحكومة، في ما بعد غداة انتخاب الرئيس الياس هراوي.