IMLebanon

«الإستحقاق» على خط «الــتوتر العالي» بين موسكو وواشنطن

حجبت الخلافات الروسية – الأميركية حول الملف السوري رهانات كثيرة بُنيت على زيارة الرئيس سعد الحريري الى موسكو بحثاً عن منفذ في الإستحقاق الرئاسي لما يمكن أن يكون للروس من دور يتناسب وحجم حضورهم في المنطقة. وهو ما طرح الشكوك حول احتمال تحقيق أيّ نتيجة إيجابية. فما هي المعطيات التي قادت الى هذا الإستنتاج؟

قبل أن يتوجّه الحريري الى موسكو للقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف طُرحت اسئلة عدة حول ما يمكن أن تنتجه الزيارة من خرق في الإستحقاق الرئاسي في ظلّ الصراع القائم في المنطقة وتحوّل هذا الملف ورقة من اوراق المفاوضات كما يعتقد اصحاب نظرية تحميل طهران المسؤولية كاملة عن التعثر في الطريق الى إنهاء الشغور الرئاسي نتيجة إصرارها على وضع لبنان على لائحة الدول التي باتت تتحكّم بها إيران في خط استراتيجي يمتدّ من بغداد الى دمشق فبيروت.

امام مسلسل الأسئلة عن جدوى الزيارة ردّت اوساط الحريري بأنّ رئيس تيار «المستقبل» سبق له أن تشاور مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولافروف وموفدهما الى المنطقة ميخائيل بوغدانوف في ملف الإستحقاق الرئاسي وأنّ هناك كلاماً كثيراً سيُقال في هذا الإطار، فاللقاءات السابقة انتهت الى التفاهم على أنّ للبحث صلة بين الرجل والقيادة الروسية.

لم تُفصح اوساط الحريري الكثير عما يمكن أن تحققه الزيارة، فهم على علم مسبق بأنّ موسكو لم توفر مبادرة طلبت منها في السابق وإن في الكواليس. فموسكو كانت على خط الحراك الدبلوماسي الذي قادته الإدارة الفرنسية والفاتيكان في اوقات سابقة سبقت دخول البلاد مدار الشغور الرئاسي وبعد تفاقم الأزمات التي تشعّبت على أكثر من مستوى.

كما استضافت موسكو قيادات لبنانية من مختلف الأطياف عدا عن الموفدين الأمميين وفي مقدمهم المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ وسلفها ديريك بلامبلي الذي فتح الطرق الى عواصم القرار المؤثرة في الحالة اللبنانية. فبادرت كاغ من خلال جولاتها المكوكية بين موسكو والرياض وطهران الى كسر الحصار المفروض على الإستحقاق الرئاسي بلا جدوى.

وكان ذلك قبل أن تجدّد مبادرتها في الأيام الماضية في اتجاه طهران التي غادرتها في طريقها الى الرياض بعد لقاءات جمعتها مع نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية جابر الانصاري ونائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية عبَاس عراقجي بالاضافة الى نظرائها الأمميين المعتمَدين في طهران وممثلي المجتمع الدولي.

وتأسيساً على ما تقدّم، طرحت المراجع السياسية اسئلة أخرى وضعتها تحت سقف حراك الحريري الجديد بحثاً عن مرشح ثالث أو المضي بترشيح النائب سليمان فرنجية أو الإنتقال الى تسمية العماد ميشال عون وإمكان أن تجاري موسكو الحريري في سعيه الى أيٍّ من هذه الخيارات.

فموسكو عبّرت عبر دبلوماسيتها الناشطة في بيروت وفي اكثر من موقف ومناسبة عن ضرورة السعي الى خيار «الرئيس التوافقي» الذي يجمع ما فرّقته الترشيحات الأخرى وخارج إطار الإصطفافات اللبنانية الداخلية والتي حُصرت أخيراً بثنائية عون – فرنجية بعد انسحاب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من السباق الى قصر بعبدا.

ولذلك لم تفهم المراجع السياسية الأسباب التي دفعت الحريري الى زيارة موسكو تحديداً، وتوسعت في بناء السيناريوهات عليها دون أن تتمكن من الفصل بين ما هو معلن وما هو مخفي من معطيات. فزيارة موسكو تمّ التمهيد لها بزيارة غامضة الى الرياض بعد طول انتظار، وبحركة سياسية شارك فيها اكثر من موفد اوروبي وخليجي ولم تظهر النتائج بوضوح فبنيت على هذه الخيارات رهانات إضافية غامضة بانتظار ما يمكن أن تُنتجه الزيارة.

وتضيف: أنّ التوقيت هذه المرة وضع مسبقاً العديد من الحواجز الكبيرة امام قدرة موسكو على إحداث أيّ خرق. فالإشتباك الروسي – الأميركي حول الأزمة السورية ومعركة حماة تحديداً بلغ الذروة وهو أمر انسحب على مختلف الدول من حلفاء الطرفين. ولذلك بات واضحاً أنّ الرهان السابق على إمكان تحقيق أيّ إنجاز على خط طهران – الرياض بات من الماضي وجاءت التطورات الأخيرة لتنهيه عملياً ونظرياً.

فتوقفت المناداة بهذا المسعى نهائياً وبات الحديث عنه مجرد أوهام تبخّرت على وقع المواجهات الكبرى بين العاصمتين في سوريا واليمن والعراق ولبنان عدا عن الحملات المتبادَلة التي جنّدت لها كل الطاقات الإقليمية والدولية والمحلية بشكل غير مسبوق.

وبناءً على ما تقدّم، تعترف المراجع السياسية ومعها الدبلوماسية بضرورة انتظار عودة الحريري ليُبنى على المعطيات الجديدة – إن توفرت لديه بشكل حاسم وجازم – ما يمكن أن يحتسب في خانة الإقتراب من قرب إنهاء مرحلة الشغور رغم الآمال الضئيلة المبنيّة على الكثير من المعطيات السلبية.

وهي حقائق عزّزتها المواقف الصدامية الداخلية بين الأطراف اللبنانية وتلك التي عبّرت عن عوائق كبيرة امام احتمال انتقال الحريري من ترشيحه لفرنجية الى عون او اللجوء الى الخيار الثالث، فقد كان الرئيس نبيه بري واضحاً عندما قال إنّ المعترضين اكثر بكثير من المؤيّدين لعون وهو ما يقفل الطريق امام أحد الخيارات المطروحة دون أن يعزّز أيّ خيار آخر.

والأخطر من كلّ ما سبق، تبقى الإشارة الى أنّ إعادة تدويل الإستحقاق سيضعه مجدداً على خط التوتر العالي بين موسكو وواشنطن في وقت لم تهمد فيه النيران على خط التوتر المتوسط بين طهران والرياض وهو امر خطير لا يلغيه سوى تفاهم اللبنانيين ولو لمرة واحدة على إعطاء هذا الملف نكهة ديموقراطية.

وهو أمر يمكن ترجمته بنزول الجميع الى ساحة النجمة وانتخاب الرئيس لتبدأ مرحلة ملء السلال بالخطوات التي نصّت عليها الآليات الدستورية وتوفير رئيس يعيد بناء العلاقات المختلة بين المؤسسات الدستورية المقفلة والمشلولة وتشكيل حكومة جديدة تضع قانوناً جديداً للإنتخاب يعترف بحقوق الجميع بخوض المواجهة في ظروف وشروط متكافئة. فالعالم المشغول بملفات المنطقة الكبرى سيرحّب بإقفال إحدى صفحات من هذه الملفات المعقّد والذي لن يجد حلّاً له ربما قبل عقد من الزمن فهل ننتظر كلّ هذا الوقت! والى متى؟