لم يُسجل سحب القطريين وساطتهم في ملف العسكريين أيّ ردات فعل واسعة. فقلائل كانوا يتوقّعون القرار بعدما تحوّلت تحرّكات الموفد ثقيلة ومتردّدة. فقد كانت حركته المكوكية بين بيروت والدوحة ميزاناً للتفاؤل والتشاؤم، الى أن غاب عن الساحة في الساعات الصعبة، فأدرك العارفون أنّ أمراً ما قد حصل. فما الذي قاد الى هذا القرار؟
ليس من الصعب استكشاف الأسباب التي أعادت قطر الى لائحة المعتكفين عن دورٍ ما في قضية العسكريين المخطوفين، فالتحقوا بالوسيط التركي الذي تجاهل مطالب اللبنانيين منذ اللحظة الأولى. ولم تُحترم تعهدات قطعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الحكومة تمام سلام.
هناك مَن يقول إنّ السفير التركي لم يردّ جواباً على الحكومة اللبنانية، لا سلباً ولا إيجاباً بقبول هذه المهمة أو رفضها، على رغم حركته المحدودة بعدما تحدث عن مصاعب لإقناع حكومة بلاده بجدوى أيّ وساطة يمكن أن تقودها بلاده مع الخاطفين، خصوصاً أنه كان لديهم 43 رهينة تركية على لائحة المخطوفين الذين جمعتهم وحدات «داعش» من مقرّ القنصلية التركية العامة في الموصل، الى جانب عديد من الأسرى والمخطوفين من جنسيات مختلفة.
ليس سهلاً على اللبنانيين أن يتناسوا الدورَين التركي والقطري، وما بذلته أنقرة والدوحة من جهود تُوِّجت بالإفراج عن لبنانيّي إعزاز أولاً، وفي ملف راهبات معلولا ثانياً، ولم يستوعب اللبنانيون للوهلة الأولى التمنع التركي عن لعب أيّ دور الى أن تلاشى الحديث عنه بعدما تردّد أنّ تركيا هي التي قادت تحرّكات «داعش» في شمال سوريا بعد العراق.
وإزاءَ تجاهل اللبنانيين وانعدام الأمل في الوسيط التركي، بُني الكثير على الوساطة القطرية، ولا سيّما عندما وضعت الإمارة الصغيرة على لائحة واحدة مع الأتراك في دعم «داعش»، فاستبشر اللبنانيون خيراً، «فهي تمون»، والعملية ستكون سريعة ومنجزة خلال أيام قليلة. وهم من القلائل الذين تُسمع كلمتهم عند «داعش» بعد «النصرة»، باعتبارها من «بنات الدوحة المدلّلة».
ومع مرور الأيام، بدأت الأمور تتعقد، فاعتقد البعض أنّ «داعش» اكثر تشدّداً من «النصرة»، عندما بدأت عملية قطع الرؤوس، الى أن اكتشف أنّ العملية منسقة بينهما ولا فرق بين الفصيلين. وعلى رغم كلّ ذلك، راهن اللبنانيون على القطريين لتهدئة الخواطر، ونقَل الوسيط القطري أكثر من مرة تعهدات حاسمة الى الجانب اللبناني بأنّ عمليّة القتل والنحر قد توقفت الى أن ثبت العكس في الأمس القريب بعد قتل الدركي علي البزال فكان الحدث الذي طفح فيه الكيل، ولكن ممّن؟
تقول المراجع المطلعة إنّ قطر وجّهت بعزوفها رسائل في كل الإتجاهات، واحدة واضحة بلا تشفير في اتجاهين: الى الداخل اللبناني رفضاً للتردّد الذي عبرت عنه الحكومة في توحيد موقفها، وفي اتجاه المسلحين الذين نكثوا بالوعود في معزل عن الأحداث التي رافقت توقيف نساء القادة في «داعش» وغيرها.
وثمّة مَن رصَد «رسالة مشفرة» اكبر واكثر تأثيراً من الأولى، فاعتبر الخطوة رداً على العقوبات السعودية – الخليجية ضدّ قطر تأديباً قبل أن تستعيد الحضور الديبلوماسي الخليجي بعدما رضخت مرغَمَة لتنفيذ برامج تدريب مجموعات مسلحة من «المعتدلين السوريين» على اراضيها بإشراف اميركي، فردّت على السعوديين بطريقة غير مباشرة بالإشارة الى أنها لن تهدي أيّ انتصار في هذا الملف إلى «حكومة بيروت السعودية»، كما قال زوار الدوحة في الساعات الماضية.