غالباً ما نبتت الاحزاب السياسية المحلية على عتبات الاقطاع السياسي الذي عمد الى رعايتها واحتضانها لطمس مقولة الازلام والاستزلام المعروفة جيداً وتلطيف صورته تحت مسمى البيوتات السياسية حيث الولاء الحزبي هو التزام بالشخص وليس بالحزب، فلا كتائب لبنانية اذا خرجت من نكهة آل الجميل ولا «حزب تقدمي اشتراكي» خارج العباءة الجنبلاطية ولا «تيار المردة» اذا انحسر ظل آل فرنجية، باستثناء «الحزب الشيوعي اللبناني» و«الحزب السوري القومي الاجتماعي» اللذين ولدا من رحم الطبقة الشعبية ولكنهما شاخا، فيما استمرت البيوتات السياسية في الحفاظ على زعامتها وكيانها وكينونتها. انه الفولكلور السياسي اللبناني بامتياز وكما تكونون يولى عليكم، يضاف اليهما «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» فالاولى ولدت من رحم الكتائب بالانتفاض عليها، اما التيار البرتقالي فقد تشكل في بداياته كردة فعل من قواعد شعبية آثرت التمحور حول شخص العماد ميشال عون بعيداً عن الالوان الحزبية، رفضاً للوصاية السورية آنذارك وفق الاوساط المتابعة للمجريات.
واذا كانت الاحزاب العائلية شهدت الكثير من الاستقرار في علاقتها مع زعاماتها حيث تمنيات الزعيم اوامر لا تناقش، بل يُستقتل في تنفيذها فان الحال يختلف داخل حزب الكتائب الذي يعيش على فوالق زلزالية منذ انتفاضة «القوات» التي افرغته من القوى الحية بفعل استقطابها للدم الفتي من الشرائح الشبابية، وما زاد «الكتائب» ضعفاً بلغ حدود الانحسار على الحلبة السياسية سير الحزب في ركب الوصاية اسورية اثر مغادرة الرئيس امين الجميل الى باريس بعد انتهاء عهده الرئاسي لتبدأ مرحلة رئاسة جورج سعادة الذي كان صاحب مقولة «الاحباط» وصولاً الى كريم بقرادوني الذي ترأس الحزب تحت عنوان «من المؤسس الى المؤسسة» انتهاء بعودة «الكتائب» الى البيت الجميلي عبر عملية التسلم والتسليم الشهيرة بين بقرادوني الذي بقي رئىساً لفترة وبين الوزير الشهيد بيار الجميل حيث شغل الجميل الاب موقع «الرئيس الاعلى» للحزب.
وتضيف الاوساط ان المرحلة الراهنة ومنذ رئاسة النائب سامي الجميل للحزب هي الاكثر استثنائىة في تاريخه لما احاط عملية التوريث بين الوالد ونجله من ملابسات وغموض الى حد تؤكد المعارضة الكتائبية ان الرئىس الجميل اجبر على ذلك فكان تسليمه للقيادة اشبه بعملية اقصاء ديبلوماسية اثر سيطرة النائب الجميل على مفاصل الحزب بواسطة مجموعته «لبناننا» وان اقالة الوزير سجعان قزي من الكتائب رسالة وجهها سامي الى والده تقول: «انا الحزب والحزب انا» على طريقة الملك لويس الرابع عشر كون قزي من اللصيقين بالرئيس الجميل والاشد اخلاصا له وهو لم يهضم العملية الانتقالية برمتها وكان يرى في استمرار الرئيس الجميل على رأس الحزب ضرورة ملحة في اخطر مرحلة تمر بها المنطقة حيث لا مكان لنزق الشباب فيها ولو كان الرئيس الجميل يدير الحزب لما فعل ما فعله نجله كون اعلانه استقالة وزراء الكتائب من حكومة «المصلحة الوطنية» قنبلة اصابت الصيفي دون ان تصل شظاياها الى السراي الكبير، اضافة الى ان قزي وفق اوساطه «ليس وحيداً» وانه على تواصل مع الرئيس الجميل الذي يقدر موقفه من الاستمرار في الحكومة، فهل اقالة قزي بداية عملية تطهير لمن تبقى من الكتائبيين المحسوبين على الجميل الاب، وهل بمقدور «الكتائب» انتزاع «كوتا» وزارية في اي حكومة ستشكل بعد انجاز الاستحقاق الرئاسي، لا سيما ان اشغالها 3 حقائب وزارية اتى نتيجة رفض «القوات اللبنانية» المشاركة في حكومة تجمع الاضداد، ولو قبلت دخول النادي الوزاري لخرج حزب «الكتائب» صفر اليدين كون «القوات» والتيار البرتقالي يتقاسمان الحلبة المسيحية بندية مشهودة.