IMLebanon

رسالة من الخارج إلى أطراف الداخل: ابحثوا في سُبُل التأقلم مع الانتظار الطويل

الخلاصة التي خرج بها الذين قيّض لهم ان يواكبوا عن كثب نتائج اللقاءات المكثفة التي اجراها رئيس الحكومة تمام سلام على هامش الدورة العادية الـ70 للجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، ان لبنان، وقضاياه، اوشك ان يكون في آخر قائمة الاهتمام الدولي. وتبين لهؤلاء ان هذا الاهتمام يكاد ينحصر بزاويتين:

الاولى: الا يكون هذا البلد منطلقاً لموسم هجرة اللاجئين السوريين اللانذين بأرضه الى عالم الغرب على غرار الهجرات الجماعية التي قيل ان تركيا شجعتها وفتحت ابوابها واغرقت الدول الاوروبية بها وايقظت مخاوفها وهواجسها. وهو أمر لم يعد مجرد تكهن، فبشكل او بآخر افصحت عنه قبيل ايام الزيارة السريعة التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الى بيروت وامتدت الى مخيمات النازحين السوريين في البقاع دلالة رمزية على الهدف الرئيسي للزيارة المفاجئة.

الثانية: ان يبقى لبنان مستوفيا شروط الصمود في قائمة الانتظار الدولي والاقليمي من دون ان يتداعى ويسقط في دائرة احتمالات حدوث مزيد من الشقاق ومزيد من الاحداث الباعثة على القلق.

استنتاج آخر توصل اليه هؤلاء المتابعون من خلال خطب الكبار الذين تعاقبوا خلال اليومين الماضيين على منبر اعلى منظمة دولية، وجوهره ان الحراك الروسي السياسي – الاستراتيجي المتصل بالشأن السوري والذي شهد خلال الايام الاخيرة منسوبا عاليا تجلى في الميدان السوري وفي المنابر السياسية، يقود عمليا الى امرين لا ثالث لهما:

– إما إلى أمر واقع مستجد يدفع الى تسعير مواجهات الميدان على طول الجغرافيا السورية وما يمكن ان يرافق ذلك من اعادة بعث لمناخات الحرب الباردة التي شهدها العالم قبل انهيار المعسكر الاشتراكي، خصوصا بعد خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الامم المتحدة والذي بدا فيه حازما في مسألة ان يكون شريكاً اساسياً في لعبة اعادة تنظيم العالم.

– وإما الذهاب في رحلة بحث جدي عن انضاج تسويات تضع حدا للازمة في سوريا من شروطها ان يقدم كل الاطراف تنازلات لبلوغ الغاية المرتجاة.

وفي كلا الحالين يبدو لبنان المستبعد حاليا عن جدول الاولويات الدولية معنياً بالرصد والمتابعة والاستعداد. وقبل ذلك يتعين عليه ان يبذل جهودا مضاعفة لكي يتساكن ويتأقلم مع مرحلة الانتظار من دون ان يتدحرج نحو السقوط المدوي.

ولم يعد جديدا القول ان الاحداث المتسارعة خلال الاسابيع القليلة الماضية، إن على مستوى الحراك الشعبي او على مستوى تعطل العمل في مؤسسات الحكم وآخرها مجلس الوزراء، كانت بالنسبة الى المراقبين مؤشرات على تلاشي قدرته على التكيف مع مرحلة الانتظار الطويل المدى، او على الاقل الاطول مما كان يتخيله البعض.

فالحراك الشعبي الذي استهان به كثيرون في بداياته الاولى احرز نجاحا في الولوج الى عمق المعادلة الداخلية فارضاً نفسه عامل “ازعاج” حقيقي للنخبة الحاكمة ودافعاً إياها إما الى التحرك لمعالجة ملفات رفع لواءها المشاركون في الحراك كقضية النفايات، وإما الى اطلاق مواقف من الحراك تنم عن تأييد له ودعوات الى ابقاء جذوته متقدة كما فعل “حزب الله” وحزب الكتائب.

وفي الموازاة فان صمود الحراك وتطور اساليبه وتدرّج شعاراته شكلت عوامل دفع اساسي للنخبة الحاكمة الى اعادة تركيب طاولة الحوار الوطني من جهة والى البحث بجد واجتهاد عن حلول للازمة الحكومية التي بدأت كما هو معلوم بعد “الانتفاضة” العونية قبل نحو 3 أشهر.

وعليه فان البيان الاخير والمفاجئ لراعي الحوار الرئيس نبيه بري، والذي سعى في طياته الى الرد على حملة يعتقد انها منظمة وشارك فيها اكثر من طرف، اعتبرت الحوار ظاهرة عدمية لتقطيع الوقت الى درجة جعلته من باب لزوم ما لا يلزم، ويبعث في المقابل برسالة الى من يعنيهم الامر فحواها ان الرهان الضمني الذي يضمره البعض على تقارب ايراني – سعودي قد بات رهانا عقيما خصوصا بعد حادث مشعر منى في السعودية وما اعقب ذلك من سجالات وتبادل اتهامات بين الدولتين، وليؤكد في الوقت عينه الحاجة القصوى الى طاولة الحوار توطئة لإنتاج تفاهمات داخلية ولو بالحد الادنى من شأنها ان تساهم في صمود الوضع في المرحلة الانتظارية القسرية.

وفي السياق عينه ثمة من بات يرى انه اذا صحت التوقعات ووافق “تيار المستقبل” على سلة تسوية الترقيات ببنودها التسعة، فمعنى ذلك ان الاطراف المعنيين وبالاخص التيار الازرق، قد دخلوا جديا مرحلة اعادة تقويم للاوضاع واعادة مراجعة للمعطيات وتالياً التخلي عن كثير من افكار اتبعت سابقا لإدارة اللعبة السياسية والحكومية، مع العلم ان المسألة لم تصر في حكم المحسومة بعد في ظل ما ذكرته مصادر في “تكتل التغيير والاصلاح” عن رفضها المقايضة واعتراضها على جوائز الترقية وممانعتها توسل الطرف الآخر قضية ما لإمرار قضايا مرفوضة اصلا. والامر كله لا يعدو كونه مناورة للايحاء بمرونة “تيار المستقبل” وانفتاحه على معالجة التعقيدات.

في أي حال يتبدى من خلال هذا السلوك ان الاطراف كافة شرعوا اخيراً في البحث عن مقاربات جديدة للاوضاع والازمات في ضوء التطورات والتحولات الاقليمية التي برزت تباعا خلال الاسابيع الثلاثة الماضية، وما اظهرته من حاجة ملحة الى تحاشي انفراط عقد الامور في البلاد والدخول جديا في مرحلة تعطيل المؤسسات لأن ذلك لا يصب في خانة بعض الافرقاء وفي مقدمهم التيار الازرق.