أعرف أنّ من الصعب أن يستسيغ أحدٌ محاضراتٍ يتلوها مَن لا يعاني أزماتِ الحياة في الوطن، لكنني أرجو إيصالَ رسالةٍ من وراء المحيط.
أظهر إحصاء لمؤسسة «يوغوف» أنّ المواطنين الأميركيين يعتبرون لبنان «دولة عدوّة» ويضع «الديموقراطيون» لبنان في المرتبة 135، ويضعه «الجمهوريون» في المرتبة 132، أما «المستقلون» فيضعونه في المرتبة 132، فيما كوبا تقع في 10 درجات أفضل من لبنان، وبلدنا يتساوى مع باكستان، وتأتي سوريا وإيران وروسيا في أسفل اللائحة الى جانب كوريا الشمالية وهي في المرتبة 144.
الإحصاء لا يتحدث عن موقف الحكومة الأميركية من لبنان، إنما يتحدث عن المواطنين الأميركيين الذين يعتبرون في المقابل أنّ أفضل حلفاء أميركا هم أوستراليا وكندا وبريطانيا وإيرلندا.
هذه الدول الأربع كانت، ولا تزال في شبه توأمة ثقافية مع الولايات المتحدة، فاللغة واحدة، وتتشارك هذه الدول في اعتناق قيَم «الفردية الليبرالية» بالإضافة الى أنّ بريطانيا وكندا وأوستراليا خاضت حروباً الى جانب الولايات المتحدة. أما عدد الإيرلنديين في الولايات المتحدة فيصل الى 33 مليوناً، هاجر أسلافهم بمئات الآلاف بسبب المجاعة في القرن التاسع عشر.
دعونا نقارن مع الإيرلنديين، دولة صغيرة وأصيبت بمجاعة وهاجر أهلها الى الولايات المتحدة، أليس من الغريب أن يكون بلدهم «حليفاً» وبلدنا «دولة عدوّة»؟
كلّ مسؤول حكومي أو وطني، حالي أو سابق، من رئيس الجمهورية الحالي الى السابق والسابقين، وكلّ رئيس حكومة حالي وسابق، وأيّ وزير خارجية حالي وسابق، وكلّ وزير ونائب ورئيس حزب، على كلّ مسؤول أن يسأل نفسه ويسأل زميله في الدولة والزعامة سؤالاً أوّلاً: «هل نريد أن يفكّر الشعب الأميركي أنّ لبنان دولة عدوّة؟»
لو كان استعداءُ الأميركيين مقصوداً فقد نجحتم أيها المسؤولون اللبنانيون نجاحاً باهراً. وإن لم تقصدوا ذلك فالرجاء، كلّ الرجاء، أن تعرفوا أنّ هذه مسؤوليّتكم أيضاً، فالضرر غير المقصود يبقى ضرراً.
الولايات المتحدة فيها أفضل جامعات في العالم، فلماذا يقول الأستاذ الجامعي لتلميذه إننا «بلدٌ عدوّ»؟
الأميركيون لديهم أضخم مختبرات تبحث عن دواء لمعالجة السرطان والسكري وتبحث عن وسائل للعلاج بالجينات، فهل نريد أن نكون شركاء معهم أو أعداءهم؟
الأميركيون يعتبرون أنّ مايكل دبغي ابن المهاجرين اللبنانيين هو أعظم جرّاح قلب في تاريخهم، وداني توماس أسّس مستشفى «سانت جود» لعلاج الأطفال مجاناً، وسبنسر ابراهام كان وزيراً للطاقة ومسؤولاً عن المفاعلات النووية الأميركية، وجبران خليل جبران له ساحة وتمثال في مدينة بوسطن، كانوا جميعاً يفاخرون بكونهم لبنانيين وكان لبنان جزءاً من الثقافة الأميركية.
الآن يرى الأميركيون أنّ وطن دبغي وتوماس وابراهام وجبران «دولة عدوّة» لأميركا!
فيا أيها المسؤولون عن الجمهورية اللبنانية، هل من الممكن أن تعطونا بلداً أفضل لنفاخر به أمام أولادنا وأمام الناس؟
هناك 485 ألفاً و917 شخصاً قالوا إنهم لبنانيون أو من أصول لبنانية في إحصاء رسمي أميركي بين العامين 2006 و2010، فهل يريد أحدٌ أن يصدّق أنّ اللبنانيين والمتحدّرين من أصول لبنانية يُعَدّون أقلّ من نصف مليون؟ أم يجب القول إنّ الذين هاجروا من 1854 حتى اليوم باتوا يخجلون من لبنان؟
كلّ مرّة ألتقي بمواطن أميركي في مناسبة اجتماعية يسألني عن لهجتي الإنكليزية الغريبة ولغتي الرطنة، فأسارع الى الحديث عن قريتي «يحشوش»، وأنّ الإله أدونيس خرج الى الصيد في الوادي حيث قريتي ومات هناك، ومِن هناك تأتي أسطورة البعث وأقول لهم إنّ في وادي أدونيس مكاناً اسمه «جنّة» ومكاناً آخر اسمه «جهنّم» وجبلاً اسمه «جبل موسى» وإلهاً يموت وينبعث في شقائق النعمان.
رجاءً، هل من الممكن أن تعطونا أسطورة أخرى لنخبرها ونتباهى ببلدنا أمام الناس؟
رجاءً، هل من الممكن أن تعطونا بلداً تسارع وكالات الأنباء الى القول إنّ جامعاته قدّمت اكتشافاً علمياً واحداً؟
أقلّه أن تفهموا، أنّ اللبنانيين يهاجرون الى أميركا وليس الى كوريا الشمالية وإيران وباكستان!