قياسا على اجماع دولي تم التوصل اليه حول بنود لمعالجة الحرب في سوريا وايجاد حلول لها، اظهرته الدول التي اجتمعت في فيينا في 14 من الجاري، وضم للمرة الاولى ايران والمملكة العربية السعودية معا الى طاولة المفاوضات، وارادت هذه الدول ان توصله الى الافرقاء السوريين وكل المعنيين بالحرب السورية، فإن وحدة الهدف التي تصاعدت خصوصا بعد الاعتداءات الارهابية في باريس حول القضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” لم تظهر ان الولايات المتحدة وروسيا يمكن ان تكونا قد اصبحتا على الوتيرة نفسها، او وفق التعبير الغربي على الصفحة نفسها ازاء التعامل مع الوضع السوري. فقد تصاعد في الايام الاخيرة خلاف كلامي علني واضح بين واشنطن وموسكو على موقع الرئيس السوري بشار الاسد ومصيره، الى حد يقارب الحرب الكلامية، إذ اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما ان تسليم روسيا وايران والنخبة الحاكمة في سوريا بانه لن تكون هناك نهاية للحرب الاهلية في سوريا ولن يتم التوصل الى تسوية سياسية مع بقاء الاسد في السلطة، قد يتطلب بضعة اشهر. فيما اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان ما من سبيل لحل الازمة السورية سلميا من دون الاسد الذي قال انه يعكس فئة كبيرة من المجتمع السوري على نحو يثير تساؤلا جديا عن امكان حصول مفاوضات تبحث في مرحلة انتقالية بات يرفضها رأس النظام السوري ويعلي صوته كأنه ممسك فعلا بخيوط اللعبة السياسية والعسكرية في سوريا، معولا على دعم حلفائه، في الوقت الذي يفترض أن المفاوضات التي ستبدأ مطلع السنة المقبلة ستبحث في سبل اخراجه من الحكم والاتفاق على بديل منه. ومع الاقرار بأن الخلاف على الاسد هو جزء من الاتفاق في فيينا، يجد مراقبون ان ثمة صعوبة كبيرة قد يواجهها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في محاولة تأمين تحالف واحد ووحيد ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” متى كانت الاهداف او النتائج مختلفا عليها الى هذا الحد، ولا مجال للتلاقي، وخصوصا متى كان القضاء على التنظيم يحتمل ان يصب في خانة بشار الاسد، علما ان ثمة من يعتقد ان جهود الرئيس الفرنسي قد تجد زخما اضافيا، ليس فقط من احداث باريس بل ايضا من التطورات المأسوية في مالي، وهو ما وسع دائرة الاعتداءات الارهابية وزاد شموليتها على نحو يفترض الا يسمح بترف استمرار الانقسامات الدولية ازاء سبل مواجهة التنظيم الارهابي.
لكن في الوقت عينه، فإن فرنسا التي تجد نفسها في موقع متناقض مع دول اوروبية ازاء بقاء الاسد، من غير المرجح ان تستطيع دفع واشنطن وموسكو لتكونا على الصفحة نفسها في التحالف. هذا على الاقل ما يعتقده بعض المراقبين، في مقابل آخرين يعتقدون ان موسكو تحظى بغض نظر اميركي للتحرك عسكريا في سوريا، في ظل تلاقي موضوعي على إبقاء الاسد في مرحلة التفاوض وعدم سقوطه قبل المفاوضات، بعدما أتى التدخل العسكري لانقاذه، وفي ظل رضى غير مباشر عن محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” والتورط حيث لا يرغب الاميركيون.
ويسجل المراقبون من جهة ثانية في المسار السياسي الذي انطلق للحل في سوريا، ثغرة اخرى في رسالة الاجماع الدولي من فيينا مع نجاح المملكة السعودية في تأمين اقرار لجنة حقوق الانسان في الجمعية العمومية للامم المتحدة بغالبية 115 صوتا وامتناع 51 صوتا ومعارضة 15 قرارا تندد بالتدخل الايراني والروسي في سوريا وبكل المقاتلين الاجانب والقوى الاجنبية التي تقاتل باسم النظام السوري، وخصوصا ما يسمى ألوية القدس والحرس الثوري الايراني وجمعات متشددة مثل” حزب الله”. ومع ان القرار ليس ملزما، وهو على مستوى لجنة أممية وسيحال امام الجمعية العمومية الشهر المقبل للتصويت عليه، فإن ذلك سيثير تساؤلات عن امكان تصنيف الاردن التنظيمات الارهابية وفق ما كلف في فيينا، وما اذا كان يمكن ان يقصر هذا التصنيف على “الدولة الاسلامية” و”النصرة”، في ضوء تصنيف “اجماعي” من جهة اخرى شاركت فيه الولايات المتحدة ودول اوروبية للحرس الثوري الايراني الذي يحارب الى جانب النظام وسائر التنظيمات ك” حزب الله”. فالمؤشر المعبر الابلغ من وجود اجماع دولي حول سوريا، وفق ما اريد اظهاره في فيينا، هو استمرار الخلافات الدولية من جهة والخلافات الاقليمية من جهة اخرى، او على اقل تقدير استمرار المعارك العسكرية والسياسية سعيا الى التأثير في المعركة الديبلوماسية الجارية والتي يتم التحضير لها بين السوريين انفسهم. وتقول مصادر ديبلوماسية انه فيما غلب الاعتقاد بعد دخول روسيا المباشر عسكريا في سوريا على ان روسيا تمتلك اليد العليا في اقرار سبل الحل في سوريا، فإن هناك اعتقادا لا يقل قوة مؤداه أن دخول روسيا الحرب ساهم في تورطها، وان الاسراع الى تحفيز الحل السياسي هو من اجل تجنب الغرق في الوحول السورية. إلا أن هذه النماذج عن الثغر في الاجماع الدولي، والتي يراها المراقبون المعنيون محتملة جدا في ظل الكباش والتجاذب حول مصير بشار الاسد، لا تنفي في المقابل وفق هؤلاء اضطرار الدول الكبرى المعنية الى وضع الحل على السكة، بقطع النظر عن المدة للوصول اليه والرهانات التي ترافقه . وهذا ما يرتقب هؤلاء ان يزداد في كل المراحل المقبلة، سعيا لتغليب وجهة النظر الى الحل مع الاسد او من دونه.