تؤكد المعارك الدائرة في ريفَي حماه وحلب شمالاً ومنطقة درعا جنوباً حقيقة الاندحار السريع لـ»عاصفة السوخوي« وفشلها في انجاز أي «وعد« لصالح محور الطغاة. لكنها، قبل ذلك وأكثر منه، تؤكد بالملموس، نظرية دأب عدد من كبار الضباط السوريين المنشقين عن السلطة على تردادها من دون كلل او ملل، ومفادها ان عدداً محدداً من الاسلحة النوعية في أيدي المعارضة سيكون كافياً لتقريب موعد انهاء النكبة السورية، واسدال الستار على الفصل الاخير من رواية حكم السلطة الاسدية لسوريا.
ولا شطط في القول، ان تقدم المعارضة في الايام الماضية، في عدد من النقاط والمواقع، وفي «مورك» تحديداً التي تتمتع بخاصية موقعها الاستراتيجي في ريف حماه، وعلى الخط الرابط بين المدينة وحلب، يوازي في ثقله ما حققته هذه المعارضة على مدى شهور عدة، وخصوصاً لجهة التقدم في سهل الغاب والسيطرة على دير الزور وادلب وتهديد حدود المعقل الاخير للسلطة الاسدية، في جبال اللاذقية.
بل اكثر من ذلك: اهمية تطورات الأمس تكمن في ثقلها السياسي والمعنوي والتعبوي اكثر من ثقلها الجغرافي. باعتبار أنها توجّت مقوّمات الصدّ والصدم في وجه «عاصفة السوخوي» وكل الصخب الذي رافقها، والسيناريوات «التحريرية» المطاطة التي أفرزتها، على الرغم من أنه كان واضحاً، منذ البداية، أي منذ شهر تماماً، أن ضجيج التدخل الروسي أكبر من حجمه! والتوقعات في شأنه، أكبر من حقائق الميدان وخريطة المواجهات. وكانت نظرة بسيطة وصافية، ومن دون خلفية الدرس الأكاديمي العسكري التقليدي، كافية لتبيان مدى الضخّ التشبيحي في آلة الممانعة، ومدى المراهنة على البلف في غير موضعه!
سقط الرهان على الروس سريعاً. وسيسقط أكثر وأكثر، خصوصاً في ضوء تبلور الموقف المضاد لأي طرح ببقاء الأسد في أي مكان داخل المستقبل السوري. كما في ضوء فتح المخازن أمام التسليح النوعي بعد حظر استمر طوال الفترة الماضية.
.. بعد تراجع إدارة مستر أوباما عن «معاقبة» الأسد على ارتكابه جريمة الإبادة الكيماوية في الغوطة صيف العام 2013، تصاعدت المخاوف من ارتدادات الموقف الأميركي على المعارضة. وكانت هذه في محلّها. إذ بعدها خرج «داعش» (فجأة!) الى الضوء، وبدأ الهريان في صفوف «الجيش الحر» يأخذ مداه لصالح شراذم وتنظيمات فرخّت مثل الفطر في غابة الحرب السورية.
في تلك الفترة تحديداً، وفي ضوء تلك التطورات السلبية، عملت جهات عربية وتركية على محاولة «إقناع» الاميركيين بخطوات بديلة عن مشاركتهم المباشرة، من بينها تسليح بعض فصائل المعارضة بصواريخ مضادة للدروع، وأخرى مضادة للطيران العسكري (المروحي وذي الأجنحة الثابتة).. وغير ذلك من الاجراءات التي كانت مطلوبة لمواصلة الضغط على السلطة الأسدية وحلفائها.. وكانت وجهة نظر بعض ضباط «الجيش الحر»، أن عدداً محدوداً من تلك الصواريخ كافٍ لتلك المهمة، ولتغطية تمدد الفصائل المقاتلة، وإنزال هزائم كبرى بالعدو. غير أن ذلك كله، اصطدم بالأذن الطرشاء لإدارة مستر أوباما، تحت حجة الخشية من وصول تلك الأسلحة الى «الجماعات الإرهابية».. النتيجة، أن تلك الجماعات الإرهابية تمددت ولم تتقلص، فيما غيرها المعتدل والمقبول، كاد أن يتلاشى! واستمرت بالتالي، وتيرة التصعيد في هذه النكبة وفي كل الاتجاهات وصولاً الى مجيء الروس لتعبئة الفراغ الأميركي!
بذلك ربما، تصحّ اليوم دعوة المعارضة السورية الى توجيه برقية شكر إلى فلاديمير بوتين، لأنه الوحيد الذي «أقنع» مستر أوباما برفع الحظر التسليحي عنها.. وقدم بالتالي دفعة كبيرة الى جهودها ومعاركها لـ»إقناع» الأسد وحلفائه بحتمية خسارتهم الحرب، بعد أن جرّبوا عبثاً كل شيء لتدارك ذلك المصير.