ساعات قليلة تفصلنا عن جلسة التاسع من هذا الشهر، لانتخاب رئيس عتيد للجمهورية. تكاثرت أسماء المُرشّحين وتعدّدت، لكن العقدة تكمن في عجز غالبية المرشّحين من حصد الغالبية المُطلقة من أصوات النواب، وأكثرية الثلثين لأحدهم.
بَرَزَ ومنذ بدء الاستحقاق اسم مرشّح، نجح في موقعه، وحقق الإنجازات، وتمكّن من قيادة سفينة مؤسسته إلى برّ الأمان. يُكافأ اليوم بإشهار سيف التعديل بوجهه، وهو مَن ارتضى بالأمس القريب التمديد له، للحفاظ على المؤسسة وتأميناً للمصلحة الوطنية العُليا. وبالتالي يُسدّد اليوم فاتورة عدم تخلّيه عن واجبه الوطني في أصعب الظروف وأحلكها، في ظلّ شغور رئاسي وحكومة تُصرّف الأعمال ودولة مشلولة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
إنّ تحمُّل المسؤولية من قبل هذا المُرّشح، لا تُغنيه عن ضرورة إدراك دور رئيس الجمهورية في النظام اللبناني. فاتّفاق الطائف وضع رئيس الجمهورية في موقعٍ سامٍ ومتميّز، وجعله مرجعاً في الشأن الوطني، وحَكَماً في الصِراعات، في ظلّ نظام برلماني يقوم على المُشاركة في الحُكم من جهة، وعلى تنافس سياسي بين القوى والأحزاب والتكتُّلات من جهةٍ أُخرى.
من هُنا، يُفترض على الرئيس المُفترض أن يُكوّن مظلّة واقية لعهده، وذلك على قاعدة التعاون والتشاور، سيما مع الكتل والقوى الفاعلة في الحياة السياسية.
فقيادة الدولة لا تُشبه قيادة أي مؤسسة أُخرى.
كما أنّه ومن واجب هذه القوى والقيادات الفاعلة، تلمُّس الخُطى والتي ينوي الرئيس المُنتخب اتّباعها.
مما يُفيد، أن الانتخابات النيابية والتي أفرزت كتلاً وأحجاماً، كلّفت مَن يَلزَم لتمثيلها. وبات من حق لا بل من واجب هؤلاء الممثّلين السهر على مصالحهم ومستقبلهم.
بالتالي، مُطالبة هذه القوى بضرورة التشاور والحوار مع الرئيس المُفترض ليست عيباً، أو تدخُّلاً في شؤون الدولة ومسارها، ولا يعني اقتساماً للسلطة أو مُحاصصةً، بل هي مُشاركة إيجابية في بناء الدولة ونجاح العهد.
مِن هُنا، يجب التأكُّد أن تحمُّل المسؤولية يعني انفتاحاً ومُصارحةً، سيما مع القوى الفاعلة والمؤثّرة. فالعهد لا يُمكن أن ينجح إلاّ بمؤازرة هذه القوى ودعمها.
فمُشكلة الحُكم في لبنان لا تكمن في النصوص، بل تكمُن في طريقة أداء الحكم وممارسة السلطة. فلبنان بحاجة إلى قيادات وليس إلى زعماء. قادة يرسمون ويخطّطون ويتقدّمون الصفوف، فالقيادة صدق وأمانة.
رئيس الجمهورية الضعيف لا يخدم مصلحة لبنان. فليست الصلاحيات والنصوص هي التي تحمي لبنان، إنما شخصية الرئيس وطريقة ممارسته للحكم.
لذلك لا قبول برئيس دُمية يُنفّذ أجندات خارجية، إنما لرئيس أحسَنَ قيادة مؤسسته، وحقّق الإنجازات بكلّ حِرَفيّة ووطنية.
كلّ ذلك يستدعي، وقبل تحمُّل هذه المسؤولية وتقبُّلها، اللقاء مع قيادات الصّف الأوّل، لِرَسم مُستقبل الجمهورية قبل كلّ شيء. فلُبنان لا يقوم إلاّ بتكاتف أبنائه.
علماً، أن قيمة المؤسسات تكمن في الرّجال الذين يتولّونها:
“Les institutions valent ce que valent les hommes”
لكن من الثابت، أن سلوك معبر الدولة بحاجة إلى تضافُر وجهود وتنسيق وتفاهُم، سيما مع مَن يؤمنون بلُبنان السيّد الحُرّ المُستقّل.
فنحلةٌ واحدة لا تجني العسل، والحائط لا يُبنى من حجرٍ واحد، والدولة لا تستقيم بقائدٍ أوحد. فالتعاون بين رئيس الدولة وحُماة الدولة واجب. والتنسيق والتشاور أكثر من مُهّم لإنجاح الدولة والعهد، وصولاً إلى دولةٍ كما نشتهي وكما الكافة يرغب.
بالخُلاصة، إلى هذا المُرّشح أتوجّه بهذه الرسالة، لأقول له أن يكفيك شرفاً أنّك حافظت على المؤسسة، وأن إشهار سيف التعديل الدستوري بوجهك غير مُنصِف، لكن ذلك يجب أن يُستكمل بنقاش وحوار مع مَن يَلزم تسهيلاً للاستحقاق وإتماماً له.