IMLebanon

رسالة الى الراعي

إلى صاحب الغبطة مار بشارة بطرس الراعي الكلّي الطوبى، أتوجّه إليكم اليوم بهذه الرسالة – النداء، يا صاحب الغبطة، وبي مرارةٌ حيال ما انتهى إليه لبنان والمسيحيون في لبنان: وجوداً وحضوراً ودوراً، إنّما يحدّ منها أملٌ أكبر بأنّ خلاصه وخلاصهم ليس أمراً مستحيلاً، متى توافر الإيمان والعزم الوطني الصادق والمُخلِص.

يا صاحب الغبطة، ليس أدهى من رؤية أنفسنا ولبنان اليوم، على مفترق طرق، بل حافة هاوية، بعد سنواتٍ من معاناة الحرب وما بعد الحرب التي فُرِضت على لبنان، وكاد يبدو أنْ لا مخرج منها، وسط التجاذبات الإقليمية والدولية العاصفة بنا من كلّ صوب.

ولعلّ من أبرز أسباب العجز عن المواجهة:

1- تمييع انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية.

2- المماطلة في وضعِ قانونٍ جديد للانتخابات النيابية، يعكس حقيقة الوضع المجتمعي اللبناني.

3- إعتماد التسويف السياسي في شؤون الإصلاح وبناء الدولة، والتغطية على الفساد والإفساد، بدل العمل على وضع صيغة جديدة لعقد شراكة وطنية عادلة وعصرية.

4- تراجع الدعوات إلى تنفيذ إعلان بعبدا، ولا سيما قوله بحياد لبنان.

5- بلبلة الوسط السياسي أمام تقدُّم خطر الأصوليات داخل لبنان وعلى حدوده، وإهمال وجوب تلبية احتياجات مؤسسته العسكرية وقواه الأمنية بما يسمح لها بحسن مواجهة هذه الأصوليات.

6- تزايد عدد النازحين السوريين الذين فاقوا اليوم مع اللاجئين الفلسطينيين وسواهم من الأجانب نصف عدد سكان لبنان، والصعوبات الجمّة العائدة إلى تنظيم وجودهم وإدارته.

وما يزيد من المرارة أنّ أحزابنا خرجت من مسلسل الحرب من دون وعيها وجوب الأخذ بعبرها، وتطوير فكرها وهيكلياتها بما يتلاءم مع الضرورات والمستجدات، بحيث لم يعُدْ أمام اللبنانيين من ملاذٍ إلّا العودة إلى مرجعياتهم التاريخية التي أثبتت في المفاصل المصيرية من حياة الوطن، قدرتها على اتخاذ المواقف الآيلة إلى إنقاذه وإعادة وضعه على سكة السلام والاطمئنان وإعطاء المسؤولية الوطنية حقها وفعلها.

يا صاحب الغبطة،

إننا نرى فيكم مرجعيتنا التاريخية. وكما حقّق البطريركان الحويك وعريضة قيام الكيان اللبناني ثم استقلاله، نتطلّع إليكم تتحرّكون سريعاً، وشعبكم عضدٌ لكم، من أجل المُساهَمة الفعالة في إخراج لبنان من مأزق الصراعات في الشرق الأوسط، ومنح شعبه حقه الكامل بحياةٍ حضارية كريمة، محورها إيمانه بتعدُّديته الخلاقة.

فلم يعُدْ من المسموح به، يا صاحب الغبطة، أن يستمِرّ أطراف الداخل اللبناني أسرى تجاذباتهم الخارجية، ولا أن يُعرِّض أيٌّ منهم للخطر لبنانَ واللبنانيين بسبب هذه التجاذبات، ولا أن يسعى كلٌّ منهم إلى إلزام لبنان والأطراف الآخرين بصداقاته وعداواته الخارجية، خصوصاً أننا في كلِّ مرةٍ ألزمنا لبنان بتحالفات خارجية، ارتدّ ذلك خطراً على تركيبة لبنان ووجوده ومصيره.

ولما كانت الأجواء الدولية، ولا سيما في منظمة الأُمم المتحدة وعلى لسان أمينها العام، مُشجِّعة للدفع في اتجاه حياد لبنان، نرى أن تنقلوا هذا المطلب إلى منبر الأُمم المتحدة وعواصم القرار الدولي، داعين إلى إعلان حياد لبنان الإيجابي، وفق منطوق القانون الدولي.

وهذا الحياد لا يعني انكفاء لبنان عن واجباته حيال قضايا الشعوب المُحِقّة في هذه المنطقة والعالم، بل يعني التزامه بقضايا حرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وبالعدالة تسود مجتمعاته ودوله، كما جاء في شرعة حقوق الإنسان، التي كان من أوائل المُساهِمين في وضعها.

إننا، يا صاحب الغبطة، نرى فيكم قدرة السلف الصالح على الإقدام وبذل أفضل الجهود على المستوى العالمي، تحقيقاً لهذا الحياد المرتجى. ونعلن وقوفنا إلى جانبكم، في صفوف كلّ أصحاب الإرادة الصالحة، وصولاً إلى هذا الهدف.

فالزمن ما عاد زمن انتظار، بل زمنَ مواجهةٍ إلى أن يفوز كياننا المستقل بحياده الإيجابي الكامل.