تحية عطـرة، أما بعد،
في أسباب الأزمة اللبنانية والرئاسية، للأمانة الوضع السياسي العام ضاعف حالة التأزّم السياسي – الأمني – الاقتصادي المالي – الإجتماعي وعملياً هناك حالة تخوّف من فوضى أمنية نتيجة الحرب في جنوب لبنان حيث لا سلطة لبنانية شرعية ولا تواجد للأجهزة اللبنانية الرسمية. مع تسارع الأحداث وعلى مختلف الصعد وتفاقم الأزمات السياسية الأمنية الإجتماعية والفراغ المتدحرج في مؤسسات الجمهورية اللبنانية بدءاً من معضلة الفراغ في مقام رئاسة الجمهورية، بدأنا كباحثين وأعضاء في مركز PEAC للدراسات السياسية والإستراتيجية نخشى من أن يكون ذلك مقدمة لفوضى سياسية قد تتحوّل إلى متشعبة قد تأخذ الجمهورية اللبنانية إلى المجهول المخيف.
مع المتابعة الحثيثة لجهودكم المضنية لبحث معضلة الفراغ الرئاسي والتي هي واحدة من أعقد الأزمات في البلاد ومروراً بنتائج الإنتخابات النيابية التي أجريتْ على مرحلتين إستناداً لقانون إنتخابي مبتور أتى على قياس الطبقة السياسية الحاكمة والتي هي في المطلق السبب الجوهري لتلك الأزمات ممّا زاد المواجهة من الفشل السياسي في جمهورية تعاني من تردّي الخدمات العامة، وارتفاع معدل الفقر والجريمة وإنتشار البطالة، ويصرُف هذا الشلل الإنتباه عن مشكلات كثيرة مثل إنقطاع الدواء وغلائه وأزمة النازحين السوريين، نلاحظ أنّ أفق التسوية التي تنشدونها ملبّد بالغيوم ويُنذر بعواصف وخيمة.
في مقاربة الأزمة وأسبابها وخلفياتها:
الأزمة السياسية وبكافة مندرجاتها تواجه سلسلة أزمات وتعقيدات جمّة، والمؤسف أنه مع هذه الطبقة السياسية التي تحاورونها قسرياً تظهر مشكلات سياسية تعطّل مصالح الجمهورية ومؤسساتها الرسمية المدنية والعسكرية ومصالح الشعب اللبناني الرازح تحت وطأة تواجدهم اللاديمقراطي في سدّة المسؤولية، لا سيّما فيما يخص الاستحقاق الرئاسي وما سينتج عنه من التفاهم مع مرجعية سياسية سُنية لتشكيل الحكومة ومكوناتها ومجلس النوّاب. إنّ الأزمة الرئاسية هي صلب الموضوع إذ يصرّ قادة الأمر الواقع على إنتخاب رئيس لإدارة الأزمة والوضع العام في الجمهورية لا ينسجم مع هذا الطرح بسبب المناكفات والمشاكل الجوهرية وبالتالي هناك رفض تام للحوار حول موضوع الاستحقاق الرئاسي والآلية الدستورية المفترض سلوكها. إنهم يريدون نظام محاصصة ووفقاً للأوزان الحزبية الطائفية المذهبية في البلاد. في المقابل أيها السادة الموّقرين يرفض الشرفاء (التشديد على الشرفاء وليس الطارئين وأكلة الجبنة والمحاصصة)، رفضهم لأي تسوية رئاسية لا تكون مرتكزة على القواعد الدستورية وعلى مبادئ شرعة حقوق الإنسان وحق الشعب اللبناني في تقرير مصيره وفقاً للقانون الدولي الجوهري الذي يكفل لكل الشعوب الحق القانوني في أن يكون هو صاحب القرار الحقيقي في كل ما يتعلق بمستقبله وواقعه، وبالتالي يملك هذا الشعب كامل التخويل القانوني في أن يقرر مصيرة بحرية تامة ومطلقة ليحدد مسار حياته السياسية ومندرجاتها وليكون سيداً على موارده الطبيعية.
أيها السادة، بفعل التواجد اللاقانوني واللادستوري واللاشرعي لهذه السلطة، نحن الشعب اللبناني نعيش في عالم سياسي مليء بالأزمات عالم من الصراعات والتناقضات والاحتلالات والمصالح المتعارضة، عالم سياسي حالي لا مكان فيه للجمهورية وأنظمتها ودستورها، ولا إحترام فيه لأي مكوّن سياسي معارض لسلطة الأمر الواقع، إذن نحن نعيش في عالم سياسي ذي إتساع شمولي بعيد كل البُعد عن النظام الديمقراطي السليم ويتّسع ويمتدّ ويتطوّر وترسّخ دعائمه وتزداد مصالحه يوماً عن يوم وتتعارض مع الصيغة اللبنانية ووثيقة الوفاق الوطني، وعلى قدر إتساعها وإزديادها وتعارضها تتكوّن الأزمات وتتكاثف بشكل متزايد.
في الآلية المطلوبة للخروج بأقــل ضرر ممكن لناحية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإعادة تكوين السلطة من جديد:
• أنتم ونحن الشعب المغلوب على أمره نمرُّ بلحظة حرجة وحاسمة تتعلّق بمصير الجمهورية اللبنانية وعلاقاتها مع جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، كما تتعلّق بمصير الكيان اللبناني المبني على الديمقراطية وصيغة العيش المشترك المُكرّسة في وثيقة الوفاق الوطني، ومشكلة تمثل صعوبة حادّة أمامكم تجعلكم في حيرة بالغة فيصبح أي قرار تتخذونه لحل هذه الأزمة معطّل وقصور في المواجهة وإختلاط الأسباب بالنتائج والتداعي المتلاحق الذي يزيد درجة المجهول في تطورات ما قد ينجم عن الأزمة.
• تكثفون اتصالاتكم ولقاءاتكم في لبنان بحثاً عن المخارج المحتملة لأزمة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وأزمة الفراغ المتتالية في المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية، من هذا المنطلق والمسعى الخيِّر ولكي لا تقعوا في المغالاة في تقدير مواقف سلطة الأمر الواقع، لا يجوز مقاربة الأزمة وحصرها بساسة الأمر الواقع ولا يجوز مقارنة المرحلة الراهنة مع الحقبة السابقة، حيث الأوضاع الحالية مختلفة تماماً عمّا كانتْ عليه فالصراع على الساحة اللبنانية تشعّب وبات يهدّد السلم الأهلي اللبناني والسلم الإقليمي والدولي، ولا حاجة لتذكيركم بما تشهده الساحة اللبنانية فأنتم ونحن الأخبر بما يحصل.
• الأوضاع العامة في البلاد غير مطمئنة نظراً إلى الأحداث الحاصلة في جنوب لبنان وبين إسرائيل ومنظمة حماس، هذا من جهة ومن جهة أخرى سلطة الأمر الواقع غير متحمّسة لإيجاد المخارج لهذه الأزمة.
• وجوب توسيع مروحة المشاورات لتشمل الشرفاء من السياسيين اللبنانيين زمنيين وروحيين والعمل على تسوية رئاسية يُكتب لها النجاح حيث الظروف كما أشرت تستوجب إنتخاب رئيس جديد والذهاب إلى تسوية مع قوى التغيير حيث لا مكان للإستبداد السياسي أو التسويق له أو مسايرته.
• التسوية الرئاسية المطلوبة وبحكم القانون إنتخاب رئيس للجمهورية يبدأ بحل الأزمات وليس بإدراتها كما هو حاصل اليوم، ومن خلال هذا الإنتخاب وتشكيل الحكومة نكون قد بدأنا بإعادة تكوين السلطة ومنها إلى إنتظام الحياة العامة.
جانب اللجنة الخماسية الموّقــرة، بناءً على كل ما سبق، نتمنّى من حضراتكم مساعدة الشرفاء على إستعادة مفاصل المؤسسات الديمقراطية من خلال إقامة نظام ديمقراطي متماسك يُساعد على إعادة تنظيم الجمهورية اللبنانية دستورياً، فهل بإمكاننا يوماً ما التعاون فيما بيننا على قاعدة القيام بنظام ديمقراطي متماسك خالٍ من الثغرات؟ نحن بإنتظار أجوبتكم والتعاون المثمر.
ودمتم.
* كاتب وباحث سياسي