من مزاياك الكثيرة والمشرّفة ان الرأي العام اللبناني العريض لم يعرف عن بطولات عملك في قيادة فوج المغاوير الا في لحظة اقتراب ساعة الانسحاب الى التقاعد من الخدمة. وهذا يعني انك اعتبرت أن قيامك بالواجب هو نوع من الصلاة في العلاقة مع الوطن، كما هي الصلاة في نوع من العلاقة مع الله. وان ما قمت به هو اداء يُحفظ في سجل المؤسسة وفي التاريخ ليكون نموذجاً وقدوة، وليس أداء يوضع في ا لاستثمار العام لكسب المنافع والخيرات الخاصة والشخصية! ومع ذلك نقول بصدق وصراحة وشفافية أن نجاحك المبهر في السجل العسكري لا يعني بالضرورة والحتم أن يكون نجاحاً مجلياً في الممارسة السياسية.
تجارب التاريخ أثبتت أن تجارب الجنرالات في السياسة هي أشبه بصندوق مقفل ولا يعرف هل هو صندوق يحتوي على كنز، أو هو صندوق باندورا. وتلك التجارب أثبتت أن الجنرالات على طرفي نقيض من التطرف وليس بينهم، من هو في الوسط. فهم إما عظماء تاريخيون غيّروا مجرى حياة شعوبهم نحو الأفضل، وإما طغاة سفاحون يحملون دمغة الجحيم! ومن الجنرالات الأخيار لشعوبهم كمثال: ديغول في فرنسا، وأتاتورك في تركيا، وعبد الناصر في العالم العربي. ومن الجنرالات الأشرار كمثال: هتلر في ألمانيا وستالين في الاتحاد السوفياتي ومعمر القذافي في ليبيا. والأسماء كثيرة على المقلبين في التاريخ وفي الزمن الحديث.
في كلمتك الموجزة في ساحة الشهداء اشارة مقتضبة ولكن ملهمة عندما قلت إنك تريد أن تشبه نفسك على امتداد الوطن. وهذا يعني أنك لا تريد أن تكون طرفاً في أي نزاع، أو حتى في أية رسالة ولو كانت خيرة. أي باختصار أنك لا تريد أن تكون تحت مظلة أحد، وتفضل أن تكون بنفسك مظلة للجميع في الوطن اذا أمكن. ولكن قبل هذا وذاك، من المفترض أن تكون قد حزمت أمرك وقررت ما تريد أن تكونه: أن تكون رجل دولة مثل فؤاد شهاب، أم بطل حرية مثل العميد ريمون اده؟
في الوجدان الشعبي العميق أسئلة كثيرة تنم عن القلق وربما عن بعض اليأس والضياع، والناس تتطلع بكثير من اللهفة الى أية بارقة أمل في الأفق، بحثاً عن بطل ل الفيلم اللبناني الطويل، أو عن منقذ. والناس تأمل في أن يكون في صندوقك كنز، ولا يكون صندوقاً من الميثولوجيا الاغريقية… وفيها أن الآلهة خلقت المرأة باندورا ووضعت في صندوقها كل الشرور عقاباً للبشرية! وفي التاريخ القديم والحديث عثرت الشعوب في الصندوق على… جنرال! الطيب حيناً، والشرير في معظم الأحيان. ولهذا نختم بهذه الكلمة وهذا الرجاء الموجه اليك…
في كلمتك في ساحة الشهداء، وضعت كلمة المواطن في مستوى الرتبة العسكرية العليا، بدلاً من رتبة اللواء التي كان من المفترض أن تنالها. واسمح لي بأن أخاطبك بهذه الصفة: سعادة المواطن الركن شامل روكز. وجهت اليك رسالة خطية للنشر لأنقل اليك بعض ما يتفاعل في صدور الناس. ولكل رسالة الى صاحب العنوان، رسالة جوابية منه. ولذا آمل – اذا شئت – أن تكون رسالتك الجوابية خطية وللنشر. ودمتم دائماً بكل خير ومستقبل مشرق. انتهى.
وقع خطأ مطبعي في المقال الأخير، والصواب هو التراجيديا الاغريقية وليس التراجيديا الافريقية.