مؤتمر الدول المانحة في لندن ينجح من حيث فشل مؤتمر جنيف-٣. النجاح في جمع مليارات مطلوبة لغوث ١٨ مليون سوري في حاجة ماسة الى المساعدات الانسانية بينهم عشرة ملايين نازح في الداخل ولاجئ الى الخارج. والفشل في بدء التفاوض على تسوية سياسية تنهي الحرب، وحتى في ضمان فك الحصار لكي تصل المساعدات الى المحتاجين، والتوقف عن قصف المدنيين إن كان وقف النار الشامل صعباً. لكن السياسة ليست غائبة عن النجاح في تأمين المال. واللاانسانية ليست غائبة عن الفشل السياسي المبرمج في خدمة أهداف صغيرة وأخرى كبيرة في صراع جيوسياسي قاد الى ما تسميه الأمم المتحدة أكبر أزمة انسانية في العالم.
ذلك ان ما تميز به مؤتمر لندن عن مؤتمرات المانحين الثلاثة التي سبقته هو بدء نهج جديد في المساعدة، حسب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والوعي بعد مضي وقت طويل أن المساعدات المخصصة للتنمية هي الصيغة الضرورية للتعامل مع أزمة سوريا كما قال الرئيس تمام سلام. لكن الرسالة التي بعث بها المؤتمر تبدو مزيجاً من الارتياح والقلق. فمن جهة ارتياح الى تخفيف الأعباء على دول الجوار التي تستضيف ملايين النازحين عبر تمويل مشاريع بنية تحتية في مجالات عدة بينها تأمين تعليم الأطفال السوريين. ومن جهة أخرى قلق حيال ما يوحي أن حرب سوريا التي تدخل في آذار المقبل عامها السادس طويلة جداً، بحيث يتم رصد الأموال لمشاريع ومساعدات على مدى ثلاث أو خمس سنوات.
والدول المانحة ليست جمعيات خيرية. فما جعل أوروبا تزيد من تقديم المساعدات للنازحين والالتفات الى هموم الدول المضيفة لهم هو الخوف الأمني والاجتماعي والثقافي من تدفق اللاجئين على بلدانها والسعي للحد من ذلك عبر تحسين ظروف العيش لهم في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر. وأقل الدول مساهمة في مساعدة اللاجئين هي التي تساهم في دفعهم الى النزوح واللجوء من خلال أدوارها في الحرب. لا بل ان ما سبق ورافق مؤتمر لندن والمرشح للاستمرار بعده هو تصعيد المعارك وزيادة مساحة الدمار ودفع آلاف اضافية من السوريين الى النزوح هرباً من الموت والجوع والقمع والتعصب والظلامية.
والأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون ليس الوحيد داخل المؤتمر وخارجه الذي كرر الدعوة الى حل سياسي والتأكيد على انه لا حل عسكرياً في حرب سوريا. لكن الكل تقريباً ومعظم الذين وافقوا على القرار ٢٢٥٤ هم بين من يدفع ومن يندفع في الرهان على الخيار العسكري. والقلة تصدّق أن سوريا لم تعد سوريا.