IMLebanon

رسائل «الجنرال»: أنا الرئيس.. وإلا لاقوني إلى «الحلبة النيابية»

يحلو لبعض راصدي الخطّ الخطابيّ للعماد ميشال عون، إهمال كل الأفكار والتعابير التي سردها في احتفال ذكرى «14 آذاره»، للوقوف عند كلمتين مقتضبتين أنهى بهما خطابه وتوجّه بهما الى مناصريه: جهّزوا سواعدكم!

بالنسبة لهؤلاء، هذه هي «الشيفرة» المعتمدة بين الجنرال و«عسكره» لتغيير قواعد اللعبة والانتقال من منابر السياسة الى حلبات الأرض، ولذا دعاهم ليكونوا مستعدين لـ «لحظة صفر» قد يحدد موعدها بين دقيقة وأخرى.

إنها العودة الى الشارع، المكان الأحبّ الى قلوب العونيين ليمارسوا هوايتهم المفضلة في الاعتراض بـ «زنودهم».. وقد يكون بنظر البعض أنه قد حانت ساعتها.

ثمة من يظنّ أنّ رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» استنفد كل الأوراق المتاحة على طاولته، سواء من خلال فتح ممرات ضيّقة مع «تيار المستقبل» أو من خلال قلب الصفحة مع «القوات» لحياكة تفاهم شامل، ولم يبق أمامه إلا «صولد الشارع» ليكون آخر طلقاته.

عملياً، دخلت الرئاسة اللبنانية في نفق انتظاريّ جديد.

لم تتمكّن المبادرات التغييرية، أقله حتى اليوم، من نسف القواعد المستجدّة بفعل انقلاب سعد الحريري على مساره وعلى حلفائه ليختار سليمان فرنجية مرشحاً عابراً للاصطفافات. ولم تتمكّن من تكريس الجنرال مرشحاً أوحد ومشروع رئيس لا منافس له، لا من جلدته التحالفية ولا من جانب الخصوم.

ولهذا كان الاعتقاد سائداً، أنّ الرجل سيقوم بـ «نقلة» استثنائية تبدّل خارطة الشطرنج وتجعله متقدماً على غيره، بعد تحريك المياه الراكدة. ولا يمكن لأي تغيير نوعي أن يحصل الا إذا حصل تطور كبير من شأنه قلب الطاولة رأساً على عقب. وقد يكون هنا دور الشارع في اللجوء إليه لقطع «حبل السرّة» مع السلطة برأسيها التشريعي والتنفيذي.

وهذه المرة يعود الرجل الى أدوات التصعيد متسلحاً بتفاهم متين مع معراب كرّسه عنواناً للميثاقية بجناحها المسيحي ومعبرها الإلزامي. وقد يكون هذا ما دفع به إلى استعادة نبرة الطعن بمشروعية مجلس النواب، وهي التي كانت سبباً أساسياً في توتر العلاقة مع الرئيس نبيه بري قبل إعادة ترميمها ببعض مساحيق التجميل. عاد وكرّر بأنّ هذا المجلس لا يملك «صلاحية» انتخاب الرئيس، لأنه فاقد للشرعية.

طبعاً، هو بذلك يحاول قطع الطريق أمام أي محاولة قد تأتي بمارونيّ آخر سيداً لقصر بعبدا، أقله أمام الرأي العام المسيحي، ما يحوّله الى رئيس فاقد للشرعية لكونه منتخباً من جانب مجلس فاقد للأهلية. كما يقطع الطريق أمام محرجيه بالدعوة للنزول الى الجلسات الانتخابية من خلال عدم الاعتراف بشرعية هذا المجلس الذي يواظب البعض على الالتزام بكل مواعيده الانتخابية المحدّدة من جانب رئاسة البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية.

هو يقول، من دون أن يلفظها، إنّه لا يمكن الركون الى لعبة الأرقام التقليدية عبر السماح للصندوقة الانتخابية أن تقرر مصير الرئاسة في ظل موازين قوى تمثيلية غير صحيحة لا تعبّر بشكل سليم عن التركيبة الطائفية. ولهذا لا بدّ من نسفها ولو لـ «مرة واحدة» قبل تصحيح الوضع ووضعه على السكة السليمة.

هكذا، يقول عارفو الرجل والقارئون بين سطور كلامه، إنّ «زبدة» الخطاب لا تكمن في الدعوة إلى النزول الى الشارع، لأنه ليس بوارد فعلها في هذه اللحظة بالذات، ولا حتى غداً، وهي ليست مطروحة أصلاً على جدول أعماله، ولا يسعى إلى كسر الاستقرار الهشّ من خلال خربطة القواعد القائمة على علاتها، لأنه يصوّب على رزنامة بديلة.

ولهذا لم يبد الخطاب، بنظر هذا الفريق، مخالفاً للمسار الذي رسمه ميشال عون لنفسه مذ دخول البلاد في مربع «الرئاسة المعقدة»، وهو لا يزال حتى اليوم تحت سقف ربط النزاع مع الخصوم ويرفض قطع آخر شعرات المشاركة في السلطة.

بالنسبة لهؤلاء يكمن جوهر كلامه في «المفتاح» الذي وضعه على طاولة الجميع، خصوماً وحلفاء، وهي العودة الى الشعب عن طريق الانتخابات النيابية، لتكون منقذة الجمهورية، أسوة بالأنظمة البرلمانية العريقة التي عادة ما تنقذ نفسها من مستنقع الأزمات الدستورية من خلال العودة الى الناخبين لاستطلاع آرائهم عبر قصاصات الأصوات الاقتراعية.

استعاد الجنرال هذه الفلسفة ليؤكد على ثابتة أساسية لم تتزعزع في وجدانه وفي مساره ومصيره: أنا الرئيس، مهما طال الزمن. وإذا رفضتم انتخابي تكريساً للميثاقية، لاقوني الى الانتخابات النيابية لتكون الحَكَم بيننا.

إذاً، لا مفرّ بنظر الجنرال من الاحتكام الى سلطة الشعب لتكون صاحبة القرار. يردّ على واضعي الحواجز أمام وصوله الى قصر بعبدا بالمِثل: تعطّلون انتخابي، وسأعطل انتخاب غيري. وإذا الرئاسة صعبة، فالفرز النيابي الجديد هو الحلّ والمفتاح.

طبعاً، ازدادت ثقة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» بالنتائج التي ستعطيها الأرض بعد التفاهم مع «القوات» الذي سينسحب أولاً على الانتخابات البلدية، ومن المرجّح أن يكون أبرز متغيرات الانتخابات النيابية في حال قُدّر لها أن تكون سابقة للانتخابات الرئاسية، وذلك في حال استمرار الشغور الى ما بعد العام 2017 موعد الاستحقاق النيابي. ولهذا يدعو سامعيه الى ملاقاته الى حلبة «النيابة» التي من شأنها، وفق تقديراته، أن تغيّر الموضوع كله.