السؤال الأساسي الذي طُرح بعد الكشف عن اللقاء الخاص الذي عقده الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله مع عدد من كوادر «الحزب» في البقاع، تَمثّلَ بالآتي: لماذا كشفَ الحزب عن هذا اللقاء؟ وهل صحيح أنه لمجرّد المعنويات؟ وما خلفيّاته وأبعاده؟
أوّل ما يَتبادر إلى الذهن أنّ «حزب الله» كان باستطاعته عدم تسريب خبر هذا اللقاء، الذي يَعقُد السيّد نصرالله، ربما، أكثر من واحد على مِنواله في اليوم أو الأسبوع.
وبالتالي، هناك أكثر من رسالة من وراء هذا التسريب المقصود، وهي تتمحور عمليّاً حول الآتي:
الرسالة الأولى موجّهة إلى الداخل اللبناني بأنه في الوقت الذي تصاعدت فيه الدعوات مجدداً لانسحاب «حزب الله» من سوريا، تجاوز أمين عام الحزب كلّ المخاطر الأمنية للاجتماع مع كوادره الذين خاضوا مواجهات شَرسة وصعبة في الأسابيع الأخيرة، وذلك من أجل التأكيد على أهمية هذه المواجهة واستراتيجيتها، كما التأكيد أنّ المطروح ليس انسحاب الحزب من سوريا، إنما تعزيز وجوده وحضوره ودوره في القتال السوري. فالرسالة الأولى تعني إقفال الطريق نهائياً على الدعوات المُطالبة بخروجه من سوريا.
الرسالة الثانية موجّهة إلى الخارج بأنّ الحزب يُولي المواجهة مع الإرهاب أهمية قصوى، بدليل انتقال أمينه العام من مقرّه إلى خطوط المواجهة، وذلك بهدف التأكيد على التقاطع ولَو غير المباشر بين الحزب الذي يخوض الحرب على الأرض والتحالف الدولي الذي يخوضها من الجَوّ.
فالحزب يحاول على طريقته ان يَنتزع من التحالف الدولي شرعية لوظيفته ودوره في مكافحة الإرهاب، مقابل غَضّ النظر عن سلاحه في الداخل اللبناني. فهو يريد أن يكون شريكاً مُستتراً في هذا التحالف من أجل أن يحقّق مكاسب سياسية، على غرار ما حققه النظام السوري نتيجة انخراطه في حرب الخليج، فضلاً عن أنّ الحزب يدرك أنّ هناك اختلافاً في نظرة المجتمعَين الدولي والعربي إليه مقارنة مع النظام السوري.
الرسالة الثالثة إلى «داعش» و«النصرة» وغيرهما بأنّ المواجهة التي يخوضها الحزب هي من طبيعة وجودية لا تَهاون فيها ولا تراجع، ولا مكان لحلول رمادية أو تسويات.
الرسالة الرابعة بأنّ السيّد حسن نصرالله قائد ميدانيّ وليس قائداً سياسيّاً فقط، وأنه يتفقّد عناصره على الجبهات ويستمع إلى تقييمهم للمعارك العسكرية وسَير المواجهات القائمة، خصوصاً أنّ «حزب الله» في حالة حرب فِعلية قد لا يَشعر بها سائر اللبنانيين كونها تجري على أرض سورية، وبالتالي من الطبيعي أن ينتقِل نصرالله إلى الجبهات الأمامية.
الرسالة الخامسة بهَدف الإيحاء أنّ انتقاله إلى أرض المعركة يؤشّر إلى التحضير لمعركة جديدة في القلمون والزبداني، وأنه أراد أن يُشرف شخصياً على الاستعدادات والتحضيرات لإعطاء هذه المعركة المُحتملة الطابع المفصلي، خصوصاً أنّ الحسم في هذه المنطقة يُريح الحزب، وإلّا لَما كان مضطرّاً لعَقد هذا اللقاء وتسريبه.
الرسالة السادسة إلى بيئته الشيعية بأنّ انتقاله إلى البقاع يؤشّر إلى مدى الاهتمام الذي يُوليه للحرب الدائرة في سوريا، الأمر الذي يتطلّب من هذه البيئة أن تكون، كما عَوّدَته، الحاضِنة والرافعة للحزب، وليس المُشَكّكة والقَلِقة.
وفي موازاة كلّ ذلك لا يمكن التقليل من العامل النفسي الإيجابي الذي تُخَلّفه زيارة من هذا النوع على معنويات مقاتليه ومحازبيه ومناصريه، وإقفالها الباب أمام كلّ التساؤلات والهواجس المتّصلة بعدد الضحايا وما يُحكى عن استنزاف ربطاً بطول أمَد هذه المعركة التي توقعت واشنطن نفسها أن تمتد لسنوات، كما إقفال الباب أمام أيّ مراجعة ذاتية للقتال في سوريا.
وإذا كان من الثابت أنّ «حزب الله» في غير وارد الخروج من المستنقع السوري، وأنّ قوى 14 آذار تَكيّفَت مع ازدواجية دورها بمعارضة قتاله السوري سياسياً، والمُساكنة معه حكومياً ومؤسساتياً، فإنّ السيّد نصرالله باستطاعته أن يؤخّر النقاش داخل الحزب وداخل الطائفة الشيعية حول جدوى مواصلة القتال في سوريا لفترة إضافية من الوقت،
ولكنه بالتأكيد لن يتمكن من تأجيل هذا النقاش طويلاً، خصوصاً في حال استمرار الأزمة السورية، واستطراداً استمرار النّزف على المِنوال الحالي، فضلاً عن أنّ الوقائع الميدانية أثبتَت تطورَين: حركات التطرّف السنية واصَلت صعودها وتعيش حالة نشوة، والتطوّر الثاني يتمثّل بتحقيقها انتصارات عسكرية وميدانية، كما دَلّت الوقائع أيضاً الى أنه من أجل أن يتنفّس الحزب الصعداء نسبياً ويُقفِل باب التساؤلات داخل بيئته جزئياً، عليه أن يفوز على المعارضة السورية في القلمون، كما وَعدَ وتَوَعّد منذ أشهر. فهل سيتمكن من ذلك؟