خيوط اللعبة |
في الشكل والنوعية والتوقيت، أثبت حزب الله، مرة جديدة، أنه يعرف متى وكيف يردّ. نحن أمام عملية ناجحة جرت في وضح النهار. وأمام عملية معقّدة رغم مرور وقت قصير جداً على العدوان الاسرائيلي على القنيطرة. فما هي الرسائل؟
أولاً: يريد حزب الله تذكير اسرائيل، مرة جديدة، بأن زمن الاعتداءات من دون ردّ قد ولى منذ زمن بعيد. ربما لأنها لم تفهم في المرات السابقة. لعل السيد حسن نصرالله كان يبتسم وهو يشاهد الجيش الاسرائيلي يلملم قتلاه وجرحاه هارباً أمس.
ثانياً: يريد الحزب تأكيد توازن الرعب. فكل عملية يُردُّ عليها بمثلها او بأقسى. هكذا قال السيد نصرالله، وهكذا فعل.
ثالثاً: يرغب الحزب في التشديد على مسألة استراتيجية مهمة، مفادها ان مشاركة حزب الله في القتال في اسرائيل لم تضعفه، بل على العكس تماماً، زادته قوة بالعتاد والرجال والصواريخ. ربما لم تفهم اسرائيل ان الجبهتين منفصلتان، الجبهة السورية وجبهة الحدود.
رابعاً: يريد القول إن جهوزية المقاومة أسرع وأكثر فعالية مما تعتقد اسرائيل، فعملية من هذا النوع سُرِّعت تفاصيلها في الأيام التي أعقبت عملية القنيطرة، ولكنها لا شك ثمرة مراقبة واعداد طويلي الأمد. بمعنى أن لدى المقاومة دائماً خططاً جاهزة للضرب حيث تريد. هي فقط تختار الوقت.
خامساً: وهذا ربما الجديد، والأهم، في الموضوع، ان العملية أثبتت تلازم الجبهتين السورية واللبنانية حالياً. لا بل أثبتت أيضاً تلازم جبهة تمتد من فلسطين الى لبنان وسورية وصولاً الى ايران. الردّ لم يكن فقط انتقاماً لشهداء حزب الله في القنيطرة، وإنما أيضاً للجنرال الايراني وبعض ضباط وجنود الجيش السوري. هذا، بالضبط، ما ينبغي أن تنظر اليه اسرائيل بقلق كبير حالياً. إيران عند حدودها.
سادساً: تأتي العملية الناجحة قبيل الانتخابات الاسرائيلية. تريد المقاومة القول إنها باتت قادرة على التأثير في السياسة الداخلية الاسرائيلية. لا شك في أن حزب الله لا يميز بين رئيس حكومة اسرائيلي وآخر، فكلهم سواسية في العدوان على لبنان وسورية. يختلفون فقط بدرجة السوء والدموية. لكن من المهم أن تجري هذه العملية وسط معركة انتخابات داخلية قد تؤدي الى سقوط نتنياهو.
سابعاً: ترد العملية على القائلين إن حزب الله لن يردّ على اي اعتداء حرصاً منه على عدم التأثير في المفاوضات النووية الايرانية ــــ الغربية. لعل مثل هذا الرد السريع والمبرمج، بدقة، يعطي المفاوض الايراني ورقة أقوى، ذلك ان العالم سيتقاطر صوب طهران للمساهمة في التهدئة.
ثامناً: مثل هذه العمليات الناجحة تقول لاسرائيل ان سورية خط أحمر، وان التمادي في دعم المسلحين واختراق الحدود لن يبقى من دون رد، لا بل ينذر بتغيير كل المعادلة الحدودية، ويسقط الهدنات المعلنة وغير المعلنة. من المفترض ان تنسيقاً قد حصل عند الجبهة السورية ــــ الاسرائيلية استعداداً لردّ اسرائيلي.
تاسعاً: أتت العملية بعد تضامن فلسطيني من حماس والجهاد والفصائل الاخرى مع الحزب وايران وسورية في أعقاب الاعتداء الاسرائيلي على القنيطرة. مثل هذه العملية يعيد، اذاً، موضوع الحزب في اطار الصراع الاهم في المنطقة اي الصراع العربي ــــ الاسرائيلي. هكذا نوع من ردّ الاعتبار المعنوي يجذب تعاطفاً من القاعدة السنية في فلسطين ودول عربية اخرى، ويرفع معنويات شعوب منهارة ومفكّكة منذ سنوات.
عاشراً: هو يريد ان يقول للداخل اللبناني ان الصراع مع اسرائيل منفصل عن المناخات الاخرى، وإن الحزب يقرر متى وكيف يفتح جبهة، حتى ولو قرّر خرق القرار 1701 الذي يتسلح به لبنانيون كذريعة لسحب سلاح الحزب. هذا سيضعه طبعاً امام أصوات جديدة ستظهر في الداخل اللبناني تقول انه يتسبب بتدمير لبنان كما قيل عام 2006. لكن يبدو انه غير مهتم.
لا شك ان حزب الله يشعر اليوم وأكثر من اي وقت مضى منذ السنوات الأربع الصعبة من الحرب السورية، أنه بات اقليمياً ودولياً ومحلياً أكثر قدرة على التحرك، فمحاربة الارهاب عالمياً واقليمياً، وتموضعه في دائرة المستهدفين من الارهاب والمحاربين له، جعله رقماً صعباً في المعادلة المقبلة. ولا شك أيضاً ان تحسين وضع الجبهة السورية لصالح القيادة السورية الحالية وحلفائها، يساهم في توفير بيئة أفضل لعمليات الحزب. حين تحدث نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم عن كسر معادلة الشرق الاوسط الكبير، كانت الرسالة واضحة.
السؤال الاستراتيجي الأبرز، الآن، ماذا سيفعل نتنياهو؟ فإن ردّ مجدداً، فهو يُعرِّض المنطقة لتطورات غير محسوبة النتائج، وإن سكت قد يسقط في الانتخابات ويخرج ذليلاً كما خرج قبله أسلافه منذ عام 2006.
فهو قد يرد ضارباً عصفورين بحجر واحد، أي خلط الاوراق في المنطقة واعاقة الاتفاق الايراني ــــ الغربي لأنه مهجوس به. سيستند طبعاً الى ردود فعل دولية وعربية ولبنانية (ربما) تعتبر ان حزب الله خرق الهدنة والقرار 1701. هنا الخطر الحقيقي، خصوصاً انه يشعر بالتفلت من الضغط الاميركي بسبب توتر العلاقات، وهو هدد غير مرة بالعمل لوحده اذا مضى الغرب في توقيع الاتفاق مع ايران.
لا شك في ان المقاومة، وفق ما قال السيد حسن نصرالله، جاهزة لكل شيء. فأيهما يسبق الآخر: لجم نتنياهو داخلياً ودولياً، أم تغيير قواعد اللعبة الحدودية من لبنان الى سورية؟
أوضاع المنطقة تحتمل الاتجاهين.