استغربت كثيراً أن يصدر عن وزير الداخلية العميد محمد فهمي، قوله إنّ هناك فقط 5٪ من الجسم القضائي شرفاء و95٪ منهم فاسدون. هذا التقييم لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، إذ من الواجب على معاليه، عندما يصدر هذا الاتهام بحق القضاء أن تكون لديه أدلة وبراهين وإثباتات. أما أن يقول: 99٪ منهم فاسدون، فهذه التهمة لا يمكن السكوت عنها.
خيراً، فعل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود الذي وجّه كتاباً الى مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، دعاه فيه لاستدعاء الوزير فهمي والتحقيق معه بالتهم الموجهة الى القضاء.
كان رد الوزير فهمي مقبولاً، لكنه كان ضعيفاً… إذ بدأ بالتراجع، حين أعلن أنه مستعد للمثول أمام القضاء وقال للزميلة «نداء الوطن»: إنه لم يتبلّغ أي اتهام رسمي بعد ولكنه سارع الى الترحيب بقرار ملاحقته واستدعائه باعتباره مواطناً لبنانياً يؤمن بدولة المؤسّسات ويخضع للقوانين.. انطلاقاً من أنّ القضاء هو الملاذ الوحيد أمام المواطن.. وأنّ العديد من القضاة يتحلّون بالنزاهة ويتمتعون بالمناقبية والشفافية. سبحان الله كيف كان الشرفاء 5٪ فقط وبعد الاستدعاء ازداد عدد الشرفاء بشكل كبير.
كذلك قال: «إذا وجدوني مخطئاً، فأنا أتحلى بالجرأة كي أتحمّل مسؤولية أي خطأ ارتكبته».
وهنا أيضاً نقول له إنّ الإدانة واضحة وصريحة، واعترافه أمام التلفزيون يكفي أن يكون «بالجرم المشهود»، أما أنه يريد أن يتراجع فهذا جيّد، لكن نذكّره بالمثل الشائع: «لا تزني ولا تتصدقي».
فإذا كان هناك من تقصير في القضاء، فالمحاسبة لا تأتي من وزير الداخلية، بل هناك هيئة التفتيش القضائية التي هي المسؤولة، وهي الجهة التي يمكنها أن تحقق ما إذا كان على وزير الداخلية أن يرسل كتاباً الى وزيرة العدل وهي بدورها تحيل الكتاب – الشكوى الى هيئة التفتيش. وهنا تستقيم الأمور إذ على وزير الداخلية أن يستشير المحامين في الوزارة قبل إعطاء «تصريح» غير مقبول بأي شكل من الأشكال.
وزير الداخلية مسؤول عن الأجهزة الأمنية، وليست له علاقة بالقضاء فإذا كانت عنده شكوى فهو يستطيع أن يحيل أية قضية، كما قلنا الى وزيرة العدل.
اما القصة أو الغلطة الأكبر فكانت قبل هذا التصريح بأنّ 95% من القضاة فاسدون، وكانت الغلطة اعترافه انه ارتكب جريمة قتل عام 1981 اثناء الحرب الأهلية. والمصيبة لا اعلم، كيف أنّ ضابطاً يقتل مواطنين ويعترف… ولماذا هذا الاعتراف؟ وما أهميته كي يبرر علاقته وولاءه لرئيس الجمهورية..؟ فعلاً هزلت.
هذا ووصلتني رسائل عبر «الواتس آب» جاء فيها:
قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، خلال مقابلة في إحدى محطات التلفزة «إنّ هناك علاقة وجدانية تربطه بفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حين كان قائداً للواء الثامن الذي كان فهمي ينتمي إليه».
وسرد فهمي تفاصيل حادثة حصلت معه في عام 1981، حين حدث إشكال مع حزب فاعل وقوي، فاضطر فهمي الى قتل عنصرين من الحزب المذكور… وبعد الحادثة، استدعاه العماد عون الى مكتبه، وقال له: «ليك يا محمد، طالما لديّ نفس لن تمسّك شوكة»..
يضيف فهمي: «أنا إنسان وَفي، وما قام به الرئيس عون، وحمايته لي من القتل، أنا وعائلتي، لا ينسى، وسأبقى وفيّاً لشخصه».
إنّ ما ذكره فهمي، وبالطريقة التي رواها، يعني أنه كان مذنباً في قتل «الحزبيين»، ولم يكن الحادث نتيجة الحرب اللبنانية يومذاك».
إنّ تصريح وزير الداخلية الناريّ هذا… أثار بلبلة في الأوساط اللبنانية المتابعة، فاعترافه بأنه قتل اثنين خلال اشتباك مسلّح، وقع خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتأكيده بأنّ الرئيس عون «حماه» كما يقول، سمح لجملة تعليقات وبخاصة أنّ فهمي هو المسؤول الأول عن حماية أمن البلاد والمواطنين.
لقد انهالت التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مندّدة بما جاء على لسان الوزير ووصفت كلامه بالمستفز وغير المسؤول…