الإنهيار وقع. وها هي حجارة الهيكل تسقط الواحد تلو الآخر، مخلّفة مزيداً من التدهور والمآسي والويلات الآخذة في التمدّد على مساحة الوطن. البنزين سيعود إلى المحطات، ولكن بالقطّارة، بعدما التهبت أسعاره، وهي أولى مراحل ويلات رفع الدعم عن أكثر المواد الأساسية حيوية، لتكون المرحلة الأخيرة حين يقرر مصرف لبنان رفع يديه نهائياً عن دعم المحروقات.
أمّا عودة التيار الكهربائي فباتت بيديّ “الباخرتين” اللتين كلّفتا الخزينة العامة ما يساوي بناء أكثر من معمل لإنتاج الطاقة، على أمل أن تسمح سلفة المئتيّ مليون دولار التي أقرها مجلس النواب، لتمرير الصيفية بأقل ضرر ممكن… وها هي رئاسة الجمهورية ومعها رئاسة حكومة تصريف الأعمال تزّفان للبنانيين خبراً ساراً: اطمئنوا، ستستمر سياسة دعم الدواء والمستلزمات الطبية، ولكن من سيدفع الفارق بين سعر سوق الصرف وسعر السوق الموازية؟ المودعون طبعاً.
قبلهما، مجلس النواب كان يوزع “الرشى” الانتخابية يمنة ويسرة، ويعلن “انتصاره” على البطاقة التمويلية التي دقق في أرقامها وجداولها، كما سبق له أن دقق في أرقام سلسلة الرتب والرواتب ليتبيّن أنّ كل مجهود اللجان النيابية لا يمتّ للواقع بصلة، ويقرّ قانونها على أساس تمويل يُنتظر أن “يهبط” من البنك الدولي، وتناسى النواب أنّ مجالسهم المتعاقبة شرّعت مئات السلف والقروض التي وضعت الخزينة العامة على طريق الإفلاس، لتفلس معها شعباً بأكمله!
فعلياً، كلها قرارات ترقيعية، تستهدف شراء بعض الوقت لا أكثر. لا نيّة لأي من هؤلاء في البحث جدياً في أصل الأزمة لمعالجتها أو تصحيح مسارها. ولذلك، هم ماضون بنفس الأداء والسلوك من دون أن يرفّ لأي من الجالسين على كراسي السلطة، أي جفن. يتقاذفون الاتهامات بالتخاذل والتعطيل والعرقلة، وكأنّهم على مقاعد تصفيق لمباراة كرة قدم، مجرّد جمهور متحمّس أو غاضب من نتائج المباراة، وليسوا اللاعبين الذين اقترفت أيديهم ما لم يقترفه أي نظام بحق شعبه. فعلاً هي جهنم.
ولهذا، لم يكن مستغرباً ما شهدته مدينة طرابلس من أحداث أمنية خلال الأيام الأخيرة، يُخشى أن تنتقل عدواها إلى مناطق أخرى لتزيد من حماوة نار جهنم ومصاعبها. وقد حذر النائب فيصل كرامي من أنّ “الناس “جاعت” والوضع مقلق بعد قطع الكهرباء على مدى 3 أيام في طرابلس ووصلنا الى الإنفجار الكبير، وما بدأ اليوم سيتمدّد في مختلف المناطق ونحذّر من دخول طابور خامس على خط هذا الغليان”.
فهل ثمة مخطط أمني يجري الاعداد له؟ وهل فعلاً هناك طابور خامس؟
يقول وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي لـ”نداء الوطن” إنّ ما يحصل في طرابلس هو ردّ فعل متوقّع، على تردي الوضع الاقتصادي وانقطاع الكهرباء والدواء والكثير من المواد الغذائية، سبق أن حذرت منها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، مشيراً إلى أنّ السلاح متوفر في كل بيوت اللبنانيين، وهذا ليس بالأمر الجديد أو المستجد، لافتاً إلى أنّ ما قامت به القوى الأمنية والجيش لجهة معالجة الأمور بهدوء وروية هو من باب الحرص على عدم سفك الدماء، كما أنّ توزيع المازوت أدى الى تحقيق حالة الاحتقان والغليان الشعبي.
وأكد أنّ الأمن بالمفهوم الكلاسيكي مضبوط بينما الأمن الاجتماعي في خطر خصوصاً وأنّه من الصعب كشفه قبل حدوثه لأنّه قائم على ردّ الفعل، مشيراً إلى أنّ المعالجة ليست من خلال خطة أمنية وإنما بالأداء السياسي وتحديداً من خلال المسارعة إلى تأليف حكومة ووضع خطط انقاذية اقتصادية مالية تعيد الاستقرار إلى الأمن الاجتماعي.
ونفى أن يكون هناك أي مخطط لزعزعة أمن طرابلس من خلال الحوادث التي حصلت، لافتاً إلى أنّ “القوى الأمنية لم تضع يدها على أي دليل يثبت وجود طابور خامس، والتهويل منه، هو مجّرد كلام في السياسة”.