يصيب وزير الداخلية الجنرال محمد فهمي عندما يعلن أن التهريب مشكلة مزمنة. بالتالي لا لزوم لتحميل المسألة أكبر من حجمها وتحميل أطرافٍ بعينها مسؤولية نهب اللبنانيين بفعل تهريب السلع المدعومة من أموالهم، أو مسؤولية تهريب المخدرات والإساءة إلى العلاقات مع دول شقيقة وصديقة.
معه حق الجنرال، فالمشكلة عالمية. والولايات المتحدة بعظمتها وجبروتها لا تستطيع ضبط حدودها مع المكسيك. والحزب الحاكم بأمره هناك شاطر في التخطيط خدمة للشيطان الأكبر وأخيه الأصغر المستعجلين الإنهيار الشامل لمؤسسات الدولة.
وبعد ثلاثية مقدسة قائمة على معادلة “جيش وشعب ومقاومة”، ها هو يرسي ثلاثية ذهبية جديدة قوامها السيطرة على وزارات الصحة والزراعة والصناعة، ما يمنحه تكاملاً بعيد الأمد ومنقطع النظير في تأمين عدة الشغل. والأهم أن هذا التكامل يتم “في إطار القوانين المرعية الإجراء” ما دام يحظى بحماية رسمية من الدولة التي يدين ويتهم ويشدد ويؤكد أن لا علاقة له بملفات الفساد التي تنخرها. ولا يتوانى نوابه عن التلويح بهذه الملفات التي تبقى في عالم الهيولى لعلة في القضاء.
وقصير نظر من لم ينتبه إلى الثلاثية الذهبية الجديدة، ولم يلحظ مدى جدواها ومفعولها العملي على الأرض إن لجهة إستيراد المواد الأولية أو لجهة التصنيع أو لجهة تأمين المستندات الرسمية المطلوبة للتصدير، وتحديداً مع السيطرة المطلقة على المعابر الجوية والبحرية والبرية. وبدقة أكثر مع إلاعلان عن مشروعية التهريب، وما يجرّ هذا الإعلان من مشروعيات وفتاوى تلف الكرة الأرضية خدمة لمشروع المحور الإستكباري ورأسه.
وحتى لا يتسرّع أحدٌ في الحكم المسبق ويقع في فخ المقاربات والمقارنات، نذكِّره بأن شتان ما بين لبنان والاميركان. من هنا يمكن لأي كان أن يلصق بالحزب الحاكم بأمره في بلاد العم سام كل الخطايا والجرائم والكبائر التي تنهش دولة المؤسسات. أما في لبنان، فمن يتجرأ على هذه المعصية عليه أن يقدم الأدلة والوثائق، وإلا… فليسكت عن تشويه السمعة النقية التقية الورعة.
بناء عليه، الإثم سيلحق بمن يحاول تشويه الأبعاد الشريفة لفتاوى التهريب على خطين بين الداخل والخارج. فكل ما تشهده الحدود السائبة ممسوك وممنهج ومبرمج لتسهيل أمور المواطنين المنكوبين في لبنان وسورية ومنها إلى حيث يجب. وهدفه فتح الباب أمام السوق المشرقية. ومن لا يصدق يمكنه وضع إصبع توما في أي دكان أو ميني سوبر ماركت أو ماكسي سوبر ماركت في مناطق بعينها، حينها سيكتشف أن معظم السلع المتوفرة هي مشرقية بامتياز، سواء كانت رقائق البطاطا أو السكاكر أو المشروبات والعصائر، بالإضافة إلى الأدوية غير الحائزة على شهادات من منظمة الصحة العالمية.
بالتأكيد لا علاقة للرمان بهذا التوجه المشرقي. ومن يحسب غير ذلك، فالمسلة تحت إبطه تنعره. لذا يسخِّر الوقائع الداخلية والخارجية ويستنبط إجتهاداً يؤكد أن المحور المشرقي يحرس انهيار الدولة ومؤسساتها ويحول دون اي محاولة للحد منه ويكرس الفوضى.
ومن يصر على الانزلاق الى قاع من الغباء السياسي الذي لا مثيل له والمقرون بالعمالة ليحفظ مصالحه الصغيرة التافهة، يتعامى حتى الاستماتة عن خيرات الثلاثيات الذهبية البناءة والمبشرة بأولوية مصالح مشروع المحور وبمباركة أميركية، كما تدل التباشير، وعلى حسابنا، كما في كل صفقة تسووية بين الكبار والأكبر منهم.