صحيح أنّ عمليّة الاتّهام لأميركا وإسرائيل التي نوّاب حزب الله في ممارستها بالرّغم من تهافتها وتفاهتها أيضاً إلّا أنّ التّعامل معها بوصفها أمراً متكرّراً لا يستدعي الردّ هو أكثر خطورة من الاتّهامات نفسها ربّما على الأقلّ هذا ما يريده حزب الله، استمرّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد بممارسة سياسة حزبه المفضّلة في اتهام اللبنانيّين الذين يرفضون تفلّت سلاح حزب الله وتفرّده في ارتجال قرار الحرب وجرّ لبنان إليها والذين يطالبون بوضع سلاح حزب الله تحت أمرة الدّولة من ضمن استراتيجيّة دفاعيّة بأنّهم “يريدون لنا الارتماء في احضان اسرائيل وأميركا”، من اللافت أن تكون دعاية حزب الله الانتخابيّة مقتصرة على توزيع تهم العمالة للبنانيّين الأمر الذي يعني أنّ الحزب لا يملك مشروعاً حقيقيّاً يخاطب به جمهوره ويدّعي فيه أنّه يسعى لتحسين واقعهم والتّعاطي مع الأزمات التي يعيشونها على المستويات كافّة كغيرهم من اللبنانيّين لذا لا يزال يقدّم لهم لأنّه في منتهى العجز كلاماً فارغاً من أي مضمون!
الحديث عن الارتماء في أحضان أميركا مدعاة سخرية في وقت عايشنا فيه استقتال إيران للتّفاوض مع “الاستكبار العالمي” و”الشيطان الأكبر” لتحوز رضاه عن برنامجها النووي وإذنه العام لقبول ذلك في وقت تستخدم فيه طهران أراضي أربع دول تتباهى بأنّها تحت سيطرتها للضغط على “أحضان أميركا” لتحسين شروط تفاوضها فيما ينعق في لبنان نوّاب حزب إيران بتوجيه هذه التّهمة الأميركيّة للآخرين وبمنتهى الوقاحة! العمالة ليست حكراً على أميركا ولا على إسرائيل فكلّ ارتباط بمصالح دولة غير الدّولة اللبنانيّة هو عمالة وارتماء في أحضان هذه الدّولة، لا يستطيع حزب الله وجماعته اتهام الآخرين بالعمالة والارتهان فيما سمع جميع اللبنانيّين أمينه العام وهو يصرخ بأعلى صوته أنّ “مأكله ومشربه وملبسه وماليّته ورواتبه وطبابته وسلاحه كلّها من إيران” ثمّ يضحك على عقولنا بادّعاء أنّ ارتباطه بإيران عقائديّ!
مجدّداً نجد أنّه لا بدّ لنا من التّذكير بأنّه لم يحدث في تاريخ لبنان أن شهدنا حزباً لا يخجل من كونه بيئة وشعباً وكوادر وقيادة عملاء لدولة أخرى، بل أكبر العملاء في تاريخ لبنان، ولم يخجل أبداً هذا الحزب من التباهي بإعلان عمالته وارتهانه لإيران بخمينيّها وخامنئيّها منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم، ومن المؤسف أنّ يدفع لبنان اليوم ثمن اختطاف حزب الله له وتحويله إلى رهينة للمحور الإيراني، وعلى حزب الله أن لا يفكّر مجرّد تفكير بتخيير اللبنانيّين وتخوينهم ومطالبتهم بأن يكونوا معه خصوصاً في هذه اللحظة الدوليّة الدقيقة، وتخويف اللبنانيين بالتخوين لن يجدي نفعاً، لبنان ليس مستودعا لصواريخ طهران ولا منصة ولا جبهة لها باعتبار تباهي طهران بأنّها صار لها حدود ووصلت لأول مرّة في التاريخ إلى شواطىء البحر الأبيض المتوسط” من على أرض لبنان، أليْست هذه تصريحات جنرالات الحرس الثوري وشمخاني ولاريجاني وولايتي وغيرهم على الأقلّ لا يستطيع الحزب أن يُكذّب الإيرانيين في سيطرتهم على لبنان فبأيّ عين يتّهم الآخرين بالارتماء في أحضان أميركا التي تفاوضها إيران “وبدها رضاها” أيضاً!