العناد لا يُجدي. لا يوقف الأزمات، ولا يُعيد الليرة إلى عزّها، ولا يفتح الأبواب أمام تدفّق السياح، ولا يُخفّض الأسعار، ولا يُكافح البطالة، ولا يُعيد المؤسسات التي أفلسَت والمصانع التي أقفَلت والمتاجر التي ودّعَت والبحبوحة التي سافرَت والإزدهار الذي انتحر… وبالطبع لا يؤدي إلى تشكيل حكومة. وبالذات لا يوقِف إنحدار وطن يتدحرج بسرعة قياسية إلى قعر الهاوية.
العناد + الأحقاد + الضغائن + الصغائر + الأنانيات + مصلحتي أنا أو لا أحد = عقولاً بخواتم ربّها.
أليست تلك حالنا؟
المؤسف، بل المؤلِم، أننا لا نتعلّم من أخطائنا ولا من تجارب الغير. وأنّ ثمّة عقماً في الفكر السياسي فإذا نحن عاجزون ليس فقط عن ابتكار الحلول للمشكلات، وأسلوب مواجهة الأزمات، والقدرة على العودة بلبنان إلى الزمن الجميل، بل أيضاً بتنا في «كربجة» كاملة حتى عن إدارة ولو جزء ضئيل من الأزمة. أما الزمن الجميل فكان حلماً في وطنٍ وصار كابوساً في مزرعة.
من المسؤول؟
لسنا في وارد التنظير. فقط نقول، وندّعي: يتحمّل الجميع المسؤولية. المواطن مثل المسؤول وربما أكثر. فالمواطن هو الذي يسمح لهم أن يتلاعبوا بمشاعره، وأن يعزفوا على غرائزه، فينقادوا إلى ألعبانيّاتهم وبهلواناتهم ونفاقهم.
المواطن هو الذي يقبل بأن تكون الطرقات معطّلة، والمياه مقطوعة، والكهرباء غائبة، والجيوب خاوية، والمعاملات لا «تمشي» إلا إذا تدخّل المسؤول وصاحب النفوذ، والوزير والنائب و… مقابل الولاء الأعمى والصوت في صندوق الإقتراع. وكأنّ حقّ المواطن في أدنى متطلّبات الحياة لا يتحقّق إلا على حساب حريته التي يقبل بتقييدها إكراماً لعيون هذا الرئيس وذاك الزعيم وذلك البَيك وذينك الميليشياوي وإبن هذا وحفيد ذاك ونسيب ذلك وصنيعة ذينك…
وبقدر ما أدى هذا الإرتهان إلى تعطيل الحياة الإقتصادية والإجتماعية، بقدر ما أسفر في المقابل عن قيادات تُراوح مواصفاتها بين النفاق والشعوذة. فلم يعد الـ»سيستام» يفرز سياسيين يحترفون السياسة كواحدة من أشرف المهن، إذ تحوّلت مع معظمهم إلى عهر وثعلبة ولاأخلاق.
أجل! المواطن هو المسؤول الأوّل عن المآسي المُتناسِلة في وطن بات يرسف في أسفل الدَرْك وهو الذي كان رائد التفوّق في المنطقة كلّها، وبات يصحّ فيه: بعدما كنّا سِيْدها صرنا نْطبّل في عرسها. مع فارقِ أننا نُطبّل وفي الحلق غصّةٌ، وفي العين دمعةٌ، وفي الصدر حرقةٌ.