لم يكد الرئيس المكلف حسان دياب يدخل «جنّة» رؤساء الحكومة، حتى بدأ يشعر أنه في مواجهة مهمة أكبر من قدرته على مواجهتها. فما عجز عنه الرئيس سعد الحريري طوال السنوات الثلاث من شهر عسل التسوية، يقف أمام دياب منذ اللحظات الاولى للتكليف عائقاً سوف يلازمه إذا شكّل حكومته، وقد يؤدي به الى الاعتذار، اذا تعذّر تدوير الزوايا مع الرئيس ميشال عون، ومع المكلّف من قبله أي الوزير جبران باسيل بمتابعة تشكيل الحكومة.
لقاءات دياب قبل التكليف وبعده مع عون وباسيل أفضَت به الى هذه الخلاصة، وتنقل مصادر من فحوى لقاءاته مع عون وباسيل، أنّ التواصل أصبح صعباً منذ المرحلة الاولى، بسبب إصرار عون على التعامل مع تشكيل الحكومة وفق قاعدة العودة الى أعراف ما قبل «اتفاق الطائف»، أي الى الجمهورية الاولى، التي كان رئيس الجمهورية يسمّي الوزراء، ويكلّف أحدهم تشكيل الحكومة، وما يجري اليوم يشبه الى حد بعيد ما كان يحصل، حيث تفرض على دياب طبيعة التشكيلة وتوزيع الحقائب، وتحديد الاسماء، ويترك له تحديد بعض أسماء الوزراء، على طريقة أنّ له حصة وزارية، وأنّ صلاحياته لا تشمل التدخل بحصص القوى السياسية.
وتكشف المصادر «أنّ الرئيس المكلف يشعر انّ التعامل مع رئيس الجمهورية صعب، لأنّ همّه التوجّه الى الرأي العام المسيحي أولاً، وإقناعه انه استعاد صلاحيات الرئاسة الاولى من الحريرية السياسية». وتضيف: «انّ الاجواء في اللقاءات بين الرجلين تنقصها الحرارة، لأنّ الرئيس عون ميّال الى الرفض الدائم والجدل وإعطاء التوجيهات، ولأنّ التفاهم معه صعب جداً، ولأنه غير مستعد لتغيير مطالبه وأفكاره».
وتشير المصادر الى «أنّ دياب يرى أنّ التكليف بخلفية سَعي عون لإرضاء الشارع المسيحي حصراً، وإرضاء بعض المكونات الأخرى، والتشدد في التفاوض حول الحكومة، يُصعّب المهمة التي لا يمكن إنجازها الّا بعد موافقة رئيس الجمهورية على ما يطلب، وهذا ايضاً أمر صعب». وتقول: «انّ دياب عرض هذه الاشكالية أمام الرئيس نبيه بري وهو يأمل بتدخّل منه لدى عون، والّا فإنّ التشكيل سيكون امام عقدة حقيقية».
ما يواجه دياب سبق أن واجه الرؤساء سعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام، علماً أنّ الأخيرَين كانا يتفاوضان مع عون قبل انتخابه رئيساً، فيما أمل الحريري أن تؤدي التسوية الى تليين موقف عون الرئيس من دون جدوى، وفَضّل الحريري السير في أولوية تشكيل الحكومات على أن يطول الفراغ، وعلى رغم من ذلك فقد طال أمد التشكيل كما في الحكومة المستقيلة، حتى حصل عون و«التيارالوطني الحر» على «الثلث المعطّل»، وهذا أيضاً ما ينتظر دياب، الذي لن يستطيع، حسب المصادر، تشكيل الحكومة ما لم يحصل باسيل على 7 وزراء من أصل 18، على سبيل الاحتفاظ بحق «الفيتو» وإقالة الحكومة، وغدرات الزمان.
الواضح انّ عون يعتبر انّ كل حكومة تشكّل في عهده هي الحكومة الاولى، ويريد التشكيل وفق معادلة الالتفاف على «اتفاق الطائف»، ويريد تكريس هذا العرف في كل حكومة تشكّل، لكنّ هذا السلوك يجرّد دياب من الاوراق القليلة التي يمتلكها، كذلك يجرّده من الثوابت التي وضعها في التشكيل، وإذا ما أخذ في الاعتبار انّ دياب الذي كُلِّف بلا حاضنة شعبية، فإنّ استئساد العهد على صلاحياته، سيجرّده من آخر الأوراق، وكل ذلك يجري في ظل توجّه لدى عون يعتبر فيه أنّ التشكيل عاد الى ما قبل 17 تشرين الاول، وانّ الانتفاضة الشعبية خمدت، وأنّ التوقيت ملائم لتلقين الخصوم، وأوّلهم الحريري، درساً، عبر تكريس حكومة تعيد إنتاج سطوة العهد المدعوم من «حزب الله».