Site icon IMLebanon

العهد والإلتفاف على الدستور  

 

 

من الذي يُشكل الحكومة؟ هذا السؤال لا بُدّ من طرحه اليوم بل منذ الأمس تحديداً، لأنّه إذا كان الدستور ينصّ في المادة 53 منه (2) أنّ رئيس الجمهوريّة وبالتشاور مع رئيس المجلس النيابي واستشارات نيابية ملزمة يُسمّي رئيس الحكومة المكلّف تشكيل الحكومة، وإذا كان الدستور ينصّ في نفس المادة في بنديها 3 و 4 أنّ رئيس الجمهوريّة يصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً. ويصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم.. وينصّ الدّستور في المادّة 64 منه في بندها 2 بأنّ رئيس الحكومة المكلّف يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. فأيّ بدعة والتفافٍ وتحايلٍ على الدستور شاهدناه بالأمس في البيان الصادر عن رئاسة الجمهوريّة؟!

 

ماذا تعني الجملة الواردة في بيان الرئاسة بأنّ رئيس الجمهوريّة قدّم «طرحاً حكومياً متكاملاً يتضمن توزيعاً للحقائب»؟ «يا أخي» منذ حكومة الطائف الأولى بعد أن وضعت الحرب أوزارها وفي كلّ العقود التي تعاقبت على لبنان والحكومات التي شكّلتها لم نشهد عهداً يلتفّ على الدستور ويخترع بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان لمصادرة صلاحيات رئيس الحكومة، هل ما يزال الرئيس ميشال عون يعتقد أنّه في العام 1988، يا فخامة الرئيس أنت رئيس في العام 2020 ويحدث للبنان في عهدك ما لم يحدث له منذ تاريخ استقلاله العام 1943، ويا فخامة الرئيس يبدو أنّ أحداً ما يفسّر لك الدستور خطأ ويورّطك في تبعات لا تحمد عقباها!!

 

«يا أخي مين اللي مكلّف بتشكيل الحكومة»، ومن بدّل موقع كلمة تشاور بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة في الدستور؟ حتى في لغة الدستور القانونيّة واللغويّة نجده ينصّ في مهمّات رئيس الحكومة أنّه «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة»، ثمّ تلحق جملة ثانية مختلفة وواضحة في دلالتها «ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها»، أمّا في مهمّات رئيس الجمهورية فقانوناً ولغة النصّ الدستوري واضح لا يحتاج لا إلى تفسير ولا إلى تأويل ولا إلى وزير قصر ففي النصّ الكفاية في دور رئيس الجمهورية في موضوع تشكيل الحكومة» يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم»..

 

لم يكدّ رئيس الحكومة المكلّف ينصرف من قصر بعبدا بعد أن صرّح للبنانيّين أنّه قدّم لرئيس الجمهوريّة « تشكيلة كاملة من 18 وزيرا على أساس الاختصاص والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي. وقد وعدني فخامة الرئيس انه سيدرس التشكيلة(…) وأملي كبير ان نتمكن من تشكيل الحكومة بسرعة لوقف الانهيار الاقتصادي ومعاناة اللبنانيين وإعادة إعمار بيروت» وللمناسبة هاتان كارثتان عظيمتان حلّتا بلبنان وشعبه، حتى صدر بيان عن رئاسة الجمهوريّة يخبرنا أن الرئيس قدّم للرئيس المكلّف تشكيل الحكومة «طرحا حكوميا متكاملا يتضمن توزيعا للحقائب على أساس مبادئ واضحة.» هل هذه نوايا صافية لمن يريد فعلاً تشكيل حكومة والإسراع في إنقاذ البلد، أم أنّ هذا سلوك من يريد التعطيل ثمّ التعطيل ثم التعطيل سعياً منه إما للحصول على ثلثٍ معطّل يطيّر الحكومة متى شاء فريق سياسي وتفرض قيوداً على رئيس الحكومة وتعطّل دوره وعمله، من المؤسف أن الرئيس ميشال عون وتياره لم يمارس أي دوره إيجابي منذ عودته الميمونة إلى لبنان عام 2005، وأنّه مارس التعطيل وراء التعطيل ليصل بصهره أولاً إلى الوزارات التي اختارها بنفسه، ثم مارس التعطيل ثم التعطيل فشلّ البلد عامين ونصف برعاية حزب الله حتى وصل إلى كرسي الرئاسة، ومن المؤسف أنّه لا يزال وفريقه يمارسان التعطيل ربما حتى انهيار لبنان بالكامل، متجاهلاً أنّ دوره الأهمّ الذي نصّ عليه الدستور اللبناني «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن»، فمتى تمارس دورك الدستوري فخامة الرئيس؟ لماذا تصر أن تكون طرفاً مع فريق ضدّ آخر، وهل ينص الدستور يا فخامة الرئيس على قيامك بمهام رئيس الحومة المكلّف وهل تظنّ أن كلمة «طرحاً حكوميّاً» ستميّع معنى «تشكيلة حكوميّة»؟ «هل هذه شغلتك» فخامة الرئيس بحسب الدستور، وكيف تقبل أن يحوّلك صهرك العزيز إلى بوسطجي بينه وبين الرئيس المكلّف، تاركاً الشعب اللبناني من ورائك يقول هذا «طرح تيريز الحكومي»، لم يسبق أن رأينا هكذا عهد، من أيام شارل دبّاس وحتى الأمس!!