يستكمل بطل همروجة “أنا أو لا أحد” مشروعه الريادي، ويسدّد رشقاته، ليُزيح من يقف حجر عثرة في إعادة تشكيل الرؤية التي كانت قد انقطعت قسراً بعد حربي الإلغاء والتحرير، ولأسباب قاهرة.
حينها، كان صاحب الهمروجة يريد إختصار مناصب الدولة بشخصه الكريم. فوضع يده على الرئاستين الأولى والثالثة، واعتصم بالقصر، ورفع المتاريس العنيدة بوجه تسوية الوفاق الوطني في الطائف، لأنّها لم تُمكّنه من الوصول إلى مبتغاه. ومع الأسف، ضاعت هباء الدماء التي سالت لتُثَبِّتَ قوةً وهمية تبين أنّها في الهريبة كالغزال، ذلك أنّ العناد لم يُؤتِ ثماره.
إلا أنّ صاحبنا لم ينسَ. وبعد العودة الميمونة الى القصر المرمّم الذي سلّمه خراباً، ها نحن ندفع ثمن تمسّكه وبعناد أكبر بالمعادلات، مطالباً بمفعول رجعي. فهو يتصرّف بما يؤكّد أنّه لا يزال مُصرّاً على التحكمّ بالرئاسة الثالثة. يعطّل ليؤلّف وحده، ويرفض أنّه ورئيس الحكومة المكلّف يؤلّفان. ولا شيء يردعه عن آخر بدعة أتحفنا بها بمعزل عن الدستور، لاغياً أي فرصة تسمح للرئيس المكلّف القيام بوظيفته، مُطيحاً بدور رئاسة الحكومة في لعبة نكايات باتت مكشوفة. ولمن نسيَ، يذكّره بأنّ التكليف حصل رغماً عنه، وفُرِض عليه فرضاً، وقد حاول منعه برسالة ما قبل الإستشارات الملزمة.
وبما أنّ رقعة التعطيل تتّسع بقدر ما يسمح له به من يصادر السيادة والدستور، يجتهد بطل “أنا أو لا أحد” في معاقبة من تذاكى وقَوطب عليه، تماماً كما يستمرّ في معاقبة شرائح العملاء في صفوف الشعب اللبناني، الذين يحلمون بالثورة والإطاحة بالمنظومة كلها، لأنّهم لا يُقَدِّرون نعمة أنّهم يعيشون في ظلّ العهد القوي.
أو هو يُصَوِّب الأمور بعدما تبين أنّ عِلَّة ما تنتاب قوته. لذا، كان لا بدّ من إلهاء اللبنانيين بالبحث عن ذرة طحين وحبة دواء، فيخرسون ويتوارون، ولا يخرّبون عليه مشروعه. حينها ربّما يستطيع الإحتفاظ بالشعار.
وليس أمهر منه في التعطيل، هو ملك الساحة في هذا المجال. ما يقوم به هو ما يريده وليس ما يوحَى إليه. ويخطئ من يروِّج أنّ أحداً غرّر به وأثّر على قراراته. الكلّ في خدمته لتحقيق أهدافه التي تصبّ في غايات المستفيدين وغايات من يحرّكهم، لا سيّما الظلّ المائل خلفه، ومعه ثلّة من المستشارين الأشاوس، البارعين في الفذلكة.
أكثر من ذلك، صاحبنا ماهر في تطبيق أيديولوجية التخريب. وعدا الإنهيار الاقتصادي المتواصلة طبخته على نار تستعر حيناً وتخمد حيناً آخر، ها هي تباشير الإنهيار الأمني والصراعات الطائفية تلوح في أفق تسريبات غريبة عجيبة، يصار الى وضع سيناريواتها بعد الإعلان عنها.
وكأنّه يقول للمجتمع الدولي الذي يتجاهله “أنا هنا، وأنا من يجب أن تفاوضوا، ولأنّكم تتجاهلونني سأجعل عاليها واطيها. وليست جهنّم إلا نموذجاً تمهيدياً لما سيأتي لاحقاً. وكلّما تأخرتم، كلّما ارتفع منسوب التخريب، بحيث تصبح محاولات وقف الإنهيار أصعب. لذا، عليكم التخلّي عن معزوفة الإصلاح وِفق معاييركم، دعوا المعايير لي، ولظلّي المائل بفِعل عقوباتكم، ووفّروا على أنفسكم الوقت الذي لا تملكون ترفه، فإمّا حكومة على قياسي، أو إنتظروا ما بعد جنّهم”.