ثقافة إحترام القانون والدستور في أدنى مستوياتها في لبنان. ليست هذه الحقيقة جديدة، ولكنّ الأكيد أنها تفاقمت في السنوات الأخيرة. وبالرغم من الانطباع السائد بأنّ لبنان بلد عصيّ على الإصلاح، إلا أنّ التدهور الذي تشهده الساحة الداخلية غير مسبوق سياسياً وأخلاقياً.
البلاد أمام متاريس سياسية وطائفية ومذهبية تكرّسها جدران سميكة من الإنقسامات والتشرذم. في حقبة الحرب الأهلية، كانت المتاريس عبارة عن سواتر ترابية، تُفتح الطريق واسعة عند إزالتها. أمّا اليوم، فمن الذي يستطيع أن يزيل السواتر التي نصبتها قوى سياسية ورسمية من خلال ممارساتها التي لا تخرج من الدائرة الطائفية الضيّقة؟
لماذا تُرسم الخطوط الحمر عند كلّ منعطف مهمّ في البلاد وتعيده قروناً إلى الوراء؟ لماذا يستحيل تطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة للمسؤولين؟ هل هم فعلاً فوق الشبهات؟ وهل هم فعلاً يملكون الحصانة التي تحول دون ملاحقتهم قضائياً؟ إنّهم يلاحقون بسبب وجودهم في مناصبهم قبل وقوع الكارثة وخلالها، فكيف يحتمون بتلك المناصب؟
في الديموقراطيات الغربية التي تحترم نفسها وتحترم الرأي العام، ليس ثمّة خيمة فوق رأس أحد. الجميع تحت سقف القانون، ولا استثناءات في ذلك. في تلك البلدان المتحضّرة، يستقيل الوزير إذا كلّف الخزينة “فنجان قهوة” من خارج الميزانية المحدّدة له، فما بالكم بالوزراء المتعاقبين الذين كبّدوا الخزينة في قطاع الكهرباء وحده ما يناهزالـ 40 مليار دولار؟
لماذا يُفترض بتلك الفئة من الحكّام أن تكون فوق المساءلة؟ هل هي منزّهة عن الخطأ أو الإهمال؟ ألم يكن رئيس الوزراء على علم بوجود المواد المتفجّرة، وألغى زيارته المقرّرة إلى المرفأ؟ ألم يكن أيضاً رئيس الجمهورية على علم بوجودها، وهو اعترف بذلك على كلّ حال؟
كيف يسمح رئيس الجمهورية لنفسه أن يقول للرأي العام اللبناني والعالمي إنّ لا صلاحيات له لمعالجة المشكلة؟ إذاً، ما هي حاجتنا للرئيس “القويّ”؟ إذا كانت مسألة الصلاحيات لا تتغيّر مع تغيّر الرئيس لورودها في الدستور، ما الذي يميّز الرئيس القوي؟ واضح أنّ الرئيس ليس قوياً سوى في التعطيل، كما كان قبل الرئاسة، مدعوماً من حلفائه الذين لهم حساباتهم الخاصة التي تمتدّ إلى خارج الحدود.
ثمّة ضرورة لإعادة تعريف بعض المفاهيم الأساسية التي يبدو أنّها مشوّهة لدى الرئيس ومحيطه من المستشارين الفقهاء، الذين لا عمل لهم سوى تدبيج البيانات الصحافية التبريرية أو الالتفافية على الحقائق والوقائع، فضلاً طبعاً عن تلك المهمّة المستحيلة بتلميع صورة الرئيس، أو الإصرار على إبرازه في موقع الحكم بين اللبنانيين الحريص دوماً على تطبيق الدستور؛ بينما في الواقع هو لم يكن يوماً على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، بل هو منخرط تماماً في حماية مصالح تياره السياسي ولو على حساب اللبنانيين جميعاً، وتأخير تأليف الحكومة مثال ساطع على ذلك.
أمّا السهر على تطبيق الدستور، فحدّث ولا حرج! من الإمتناع عن توقيع التشكيلات القضائية، وصولاً إلى تسليم الرئيس المكلّف تشكيلة حكومية، وقلب الأدوار. فِعلاً، كم هو حريص الرئيس على الدستور.
سيسجّل التاريخ لهذا العهد أنّه فشل في تحقيق ولو إنجاز واحد، ربّما بإستثناء جسر جل الديب الذي أيضاً تحوم حوله شكوك هندسية! سوى ذلك، لا يمكن تسجيل إلّا الفشل تِلو الفشل تِلو الفشل. وقد يتساءل أحد الخبثاء: هل هذا الإفشال المتعمّد يصبّ مستقبلاً في مصلحة أحد أبناء الدار؟