… وكأنّه كتب على اللبنانيين أن يظلوا في «خانة» القلق والترقّب والخوف من المستقبل وعلى المصير والحرمان من أي حق من حقوقهم… كما أنّه كتب على لبنان أن يظل في هذا العهد في أدنى درجات التخلّف والتقهقر والإنهيار وحتى الفقر..
إنّ ما يدور في هذا الوطن من توترات سياسية واقتصادية ومالية، جعل اللبنانيين بحالة من الغضب الشديد، عبّر عنه وجودهم في الشوارع والساحات بحالة من الهيجان، فيما رئيس الجمهورية غير مبالٍ ولا مكترث بما يجري، وكأنّه لا علم له بما آلت إليه الأمور الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
لقد وصلت الأمور في هذا العهد الى «ذبذبة» دولية، وجفاء عربي لافت، دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحضور شخصياً مرتين الى بيروت ولا حياة لمن تنادي.
لقد أتحفنا رئيس الجمهورية في بداية عهده بالقول إنّ الحكومة لم تكن حكومته… وتلك بدعة لم تعد تنطلي على اللبنانيين بعد اليوم…
وتكفي النظرة الأولى للعهد العوني لنكتشف المآزق الكثيرة التي كان العهد سبباً لها:
فمن مأزق سلسلة الرتب والرواتب، الى روائح الفساد وترهّل الأوضاع الاقتصادية ومشكلات الكهرباء والتعيينات والتشكيلات القضائية والتشكيلات الديبلوماسية التي لا تزال تتعرّض لأوسع حملة إنتقادات حول الشخصيّات المعيّنة في الإدارة والمراكز الديبلوماسية. ولا يمكن لهذا العهد أن يتحدّث عن تفعيل الإدارة، ولا عن خطط إنمائية، ولا عن أزمة السير التي تستفحل يوماً بعد يوم، وأزمة النفايات التي لم يجد العهد حلاً لها، حول وزراء البيئة التي جاء بهم الى الحكم.
ويكفي الحديث عن مشكلة أخرى جدّيّة، تتصل بالحلقة القريبة من رئيس الجمهورية، وهي حلقة عائلية بامتياز وعلى رأسها الصهر العزيز المدلل جبران باسيل الذي لم يكتفِ بالعداء لكل السياسيين اللبنانيين، بل وصل الى الخلاف مع «عديله» العميد شامل روكز. فالعهد يبني ركائزه على رئيس الظل، وعلى مجموعة من المستشارين. إنّ ميزة هؤلاء المستشارين قربهم المباشر من الحلقة العائلية الضيّقة.
كما يمكن القول، بأنّ واحدة من سلبيات هذا العهد، ترتبط بعدم تحمّله أي انتقاد، لا في ملفات الفساد ولا الهدر ولا المحسوبيات ولا أي أمر آخر، فهو لا يتحمّل أي ملاحظات يبديها سياسيون أو مواطنون، الأكيد أنّ في العهد اليوم، الكثير من الفوقية بينما المطلوب: «القليل من التواضع».
لقد وجد اللبنانيون أنفسهم في عهد ميشال عون، أمام غول الغلاء الفاحش، والضائقة الاقتصادية المرعبة، والجوع الذي ألقى بثقله ولم يسلم منه الصغار ولا الكبار.
ونُذَكّر بماضي الجنرال عون، يوم عيّنه الرئيس أمين الجميّل نكاية بالنظام السوري الذي رفض التمديد له. وبعد «اتفاق الطائف»، بقي ميشال عون، رافضاً تسليم القصر الجمهوري في بعبدا، حتى قام الجيش اللبناني، وبمؤازرة القوات السورية، باقتحام القصر… يومذاك هرب ميشال عون بالبيجاما الى السفارة الفرنسية في الحازميّة، تاركاً زوجته وبناته، علماً أنه قبل لحظات من هروبه، أعلن أنه سيبقى مدافعاً عن قصر بعبدا، وسيكون آخر شخص يترك القصر. إشارة الى أنّ العميد علي ديب طلب من إيلي حبيقة تسلّم زوجة وبنات ميشال عون الثلاث واعتبرها رد جميل لميشال عون عندما أنقد إيلي حبيقة في المجلس الحربي في منطقة الكرنتينا.
لقد فشل ميشال عون فشلاً ذريعاً، يوم كان رئيس حكومة وحتى بعد تسلّمه منصب رئيس للجمهورية كان يتنقل من إخفاق الى آخر، ومن فشل الى فشل أكبر وأفدح… لأنه عنيد، فهو لا يتراجع عن موقف حتى ولو أثبت الجميع خطأ هذا الموقف.. إنه بطل وهمي يتصّور نفسه وكأنّه على حق دائماً…
وأتساءل: أين العرب اليوم؟ ولماذا ابتعدوا عن عهد عون؟ وأين الدول الأخرى التي كانت ترعى لبنان في كل أزمة من أزماته؟ وأين أموال المودعين التي نهبت؟ ومن قضى على المصارف؟
على أي حال، لا يسعني إلاّ أن أدعو الله سبحانه، أن يحفظ اللبنانيين ويخرجهم من هذه الأزمة بسلام.