Site icon IMLebanon

عن عون و”زوم الزيتون”

 

لا حكومة في نهاية 2020، وليس معروفاً ما اذا كانت ستتشكّل في بدايات 2021. لقد صارت الولادة مؤجلة ليس فقط الى حين عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من الخارج، وإنما أيضاً الى حين عودة «الحكمة» من المنفى. وفي الانتظار، كيف تبدو الصورة في قصر بعبدا؟ وما هي مقاربة جنراله للأزمة الحكومية، بعد إخفاق الاجتماع الاخير مع الحريري في معالجتها؟

بين الحين والآخر، تُسجل إصابات بكورونا في صفوف موظفي القصر الجمهوري، على الرغم من كل الاجراءات الوقائية المعتمدة في القصر.

 

ومع ذلك، فإنّ الرئيس ميشال عون، وخلافاً لِما يفعله مسؤولون عديدون في العالم، قرر الامتناع عن تلقّي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، عند وصوله الى لبنان، مفضّلاً الاكتفاء بالتدابير الاحترازية التقليدية التي يتخذها.

 

ومن باب الاحتياط الاضافي في مواجهة كوفيد 19، اعتذر عون عن المشاركة في قداس الميلاد في بكركي، كما ورد في التفسير الرسمي لغيابه عن القداس. لكنّ السبب الآخر، وربما الحقيقي لهذا الغياب، يكمن في انزعاج عون من تعميم الراعي المسؤوليات عن تأخير تشكيل الحكومة واستخدامه لهجة حادة في مُخاطبة السلطة، التي يشكل رئيس الجمهورية أحد أركانها.

 

كان عون يتوقع من الراعي أن يدعمه في معركة تثبيت المعايير الموحدة وتحسين مواصفات التمثيل المسيحي في الحكومة المقبلة، لا ان يكون على الحياد او مجرد وسيط بينه وبين سعد الحريري، إذ انّ أوساط بعبدا تعتبر انّ القبول بأيّ حكومة تحت الضغط هو إضعاف للمسيحيين عموماً، وليس لعون او «التيار الوطني الحر» حصراً. وبالتالي، فإنّ التصلّب الرئاسي خلال التفاوض مع الحريري لا يَنبُع، في رأيها، من حسابات شخصية او نزعة الى تحقيق مكاسب خاصة كما يرَوّج خصوم العهد، «وإنما يتعلق بضرورة حماية التوازنات الداخلية».

 

وفي إطار محاولة فهم ما يجري بين بكركي وبعبدا، هناك من يلفت الى انّ البطريركية المارونية ربما تميل في الجزء الأخير من الولاية الرئاسية الى الوقوف على مسافة من العهد، بحيث تصبح اكثر تحرراً في معارضة ما لا يقنعها في سلوكه، من دون الدعوة إلى اسقاطه او تغطية المتحمّسين للذهاب في هذا الاتجاه. كذلك هي تستعد، وفق أصحاب هذا التحليل، لتكون أحد الناخبين الأساسيين في اختيار الرئيس المقبل بعد عامين.

 

لكنّ العارفين يستبعدون حصول قطيعة تامة بين بعبدا وبكركي، وهم يرجّحون ان يزور أحد القريبين من رئيس الجمهورية البطريرك بشارة الراعي، عقب انتهاء فترة الأعياد، لمناقشته في هواجسه واعادة تصويب العلاقة معه بعد شرح الأسباب الحقيقية التي أدّت الى تعثّر مسعى بكركي التوفيقي الأخير.

 

أمّا «العلاقة الاضطرارية» بين عون والحريري فتواجه اختباراً صعباً تحت تأثير «الارتياب المشروع» المتبادل، والذي لا يمكن أن يشكل بيئة ملائمة لولادة الحكومة. واذا كان الرئيس المكلف يفترض انّ الوقت حليفه، وانّ عون سيكون مضطراً في نهاية المطاف إلى القبول بما هو معروض عليه لإنقاذ ما تبقى من عهده، فإنّ شخصيةً لصيقة برئيس الجمهورية وتسنّى لها أن تلتقيه عقب الاجتماع الفاشل مع الحريري عشية الميلاد، تجزم بأنه أكثر صلابة من اي وقت مضى في التمسّك بثوابته، «وهو سيستمر على هذا النحو خلال العامين الأخيرين من ولايته، خلافاً لِما قد يفترضه أولئك الذين يظنّون انه يمر في أضعف مراحله وانّ بإمكانهم ان ينتزعوا منه الآن ما لم ينجحوا في انتزاعه من قبل».

 

وتشدّد تلك الشخصية على انّ الاقتراب من خط نهاية الولاية هو بالنسبة إلى عون حافز إضافي للدفاع بشراسة اكبر عن اقتناعاته وليس لتقديم التنازلات العشوائية، داعية أصحاب الحسابات الخاطئة الى الأخذ في الحسبان أنه في الأساس رجل عسكري ولا مكان للاستسلام عنده، «بل تشتد عزيمته في الازمات الكبرى والأوقات العصبية».

 

وتُنبّه الشخصية القريبة من بعبدا الى انه اذا كان الحريري «يظنّ انّ بإمكانه استضعاف رئيس الجمهورية والاستفادة من أوراق خارجية للضغط عليه وفرض الحكومة وفق مقاسات بيت الوسط، فهذا يعني انه لا يعرفه جيداً بعد».

أكثر من ذلك، تحذّر تلك الشخصية خصوم العهد من انّ رئيس الجمهورية «قادر على أن يُذيقهم زوم الزيتون خلال السنتين الأخيرتين من ولايته ما لم يتعاونوا بنيّات صافية لكسب تحدي الإنقاذ، وأصرّوا على الاستمرار في محاولة كسره».

 

وتكشف الشخصية اللصيقة بعون انّ التشكيلة التي عُرضت عليه هي «حكومة سعد الحريري والفرنسيين مئة بالمئة، وليست حكومة ميشال عون او حكومة الشراكة معه، ومثل هذه التركيبة لن تمر لا الآن ولا مستقبلاً، وبالتالي لا الحريري ولا غيره يستطيع أن يفرض شيئاً على رئيس الجمهورية».

 

وتشير الشخصية المطّلعة على موقف عون الى أنه يدرك تماماً خطورة الوضع الاقتصادي وما يمكن أن يرتّبه من انهيار كبير، «ولهذا السبب هو يتمسّك بتأليف حكومة تكون قادرة حقاً على معالجة الازمات المتراكمة، ويستطيع أن يتعاون معها».

 

وتلفت تلك الشخصية الى انّ «هناك دولة هي اميركا أصدرت عقوبات في حق صهر عون ورئيس «التيار الحر» بسبب الخيارات السياسية، وهناك دولة أخرى هي فرنسا تريد أن تسمّي وزراء لحقائب حيوية في حكومة تحمل توقيع رئيس الجمهورية، فإذا تم التسليم بما يطرحه الخارج ماذا يبقى من العهد القوي والسيادة؟ وهل المطلوب من عون ان يخضع؟».

 

وتعتبر الشخصية إيّاها انّ الحريري لم يعط بعد 14 لقاء مع رئيس الجمهورية الإشارات الكافية التي من شأنها إعادة بناء الثقة بينهما، موضحة انّ الممر الالزامي لاستعادة هذه الثقة تكمن في أمر واحد صار معروفاً ومكرراً، وهو اعتراف الرئيس المكلّف بعون شريكاً كاملاً في التأليف والتعامل معه على هذا الأساس، «بعيداً من محاولات التَشاطر المكشوفة التي تواصلت حتى الجلسة الأخيرة في قصر بعبدا عشيّة الميلاد».