اتهام الخصوم السياسيين بالمسؤولية عن الأزمة يعكس تخبّط الفريق الرئاسي وعجزه عن اجتراح الحلول اللازمة
إطلالة عون التلفزيونية لا تُفيد في تلميع صورة العهد الباهتة وإعادة ثقة اللبنانيين به من جديد
لم تعد تنفع إطلالات رئيس الجمهورية ميشال عون التلفزيونية والصحافية مهما تعددت وتسترت بمناسبات وعناوين برّاقة في تبديل نظرة اللبنانيين السوداوية للعهد وفريقه الفاشل الذي ادخل البلاد في اصعب أزمة مالية واقتصادية مرَّ بها لبنان منذ تاريخ الاستقلال وحتى اليوم.
فلا استغلال مناسبة بدء عمليات الحفر لاستكشاف النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية كحدث مهم وواعد اقتصادياً في المستقبل، لإعادة تظهير صورة رئيس الجمهورية مجدداً، يُمكن ان يُعيد ثقة اللبنانيين بالرئاسة الأولى، بعد ان تآكلت ووصلت إلى الحضيض جرّاء سلسلة ممارسات الفريق الرئاسي طوال منتصف الولاية المنصرم والحافل بشتى الانتهاكات الدستورية والتعطيل المبرمج لكل خطط النهوض بالدولة ومحاولات الاستئثار والهيمنة على مقدرات الإدارات والمؤسسات وإثارة الاستفزازات الطائفية والمذهبية بين فئات الشعب اللبناني.
كذلك، لم تعد تنفع وعود الرئاسة الأولى للبنانيين بالنهوض من عثرات الأزمة المعقدة في انتشال العهد من هاوية السقوط المريع التي وصل إليها حالياً بعدما سمعوا منها الكثير على مدى السنوات الثلاث الماضية ولم يلمسوا منها سوى النتائج العكسية وتكاثر الأزمات التي تمثلت بالانتفاضة الشعبية العارمة في طول البلاد وعرضها.
الكل يعلم أن رئيس الجمهورية يُمارس صلاحياته كاملة وقبلها شارك تياره السياسي في الحكومات الست التي توالت على السلطة منذ اتفاق الدوحة
اما ادعاء رئيس الجمهورية بمسؤولية السياسات الاقتصادية والمالية التي مورست خلال الثلاثين سنة الماضية عن الأزمة الحالية، فهو تكرار لموقف سياسي اعتمده الفريق الرئاسي برمته ومن يدور بفلكه للتهرب من مسؤولية العهد المباشرة بفعل سياساته الفاشلة عن الأزمة القائمة حالياً ومحاولة القائها زوراً على الفريق السياسي للرئيس سعد الحريري وقبله والده الرئيس رفيق الحريري، في حين يعرف القاصي والداني ان هذه الادعاءات باطلة ولن تبرئ العهد من تحمل مسؤوليته عن الأزمة أو تعيد تبييض صفحته امام اللبنانيين من جديد.
فإذا كان ما يقوله الرئيس عون صحيحاً، فأين موقعه من السنوات الثلاثين الماضية ومشاركته في السلطة؟
فالكل يعلم ان رئيس الجمهورية ميشال عون يمارس صلاحياته كاملة منذ ثلاث سنوات وقبلها شارك تياره السياسي ممثلاً بالحكومات الست التي توالت على السلطة منذ اتفاق الدوحة وقبلها تحمّل هو شخصياً المسؤولية قبل اتفاق الطائف وعلى مدى ثلاث سنوات وخاض خلالها ثلاثة حروب تدميرية متتالية. فكيف يناقض نفسه بنفسه ويحاول التملص من مسؤولية المشاركة وكأنه لم يكن موجوداً؟
فهذا الادعاء باتهام فريق «الحريرية السياسية» من دون ان يسميه بتحمل مسؤولية الأزمة القائمة حالياً يتعارض أيضاً مع الواقع القائم، كون أكثر من حكومة شكلت من خارج هذا الفريق خلال هذه المدة ومارست مسؤولياتها بإدارة السلطة وبمشاركة أطراف سياسيين، بعضهم كان بسدة الرئاسة كما هي حال الرئيس عون والبعض الآخر في رئاسة المجلس النيابي كما هي حال الرئيس نبيه برّي.
وكذلك، فكل هذه الاتهامات ومحاولة ظهور رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الحالي بمظهر الضحية مقابل تصوير الأطراف السياسية المعارضة وكأنها المسؤولة عن الأزمة، إنما يعبّر بوضوح عن عجز الفريق الرئاسي في مقاربته للأزمة الاقتصادية والمالية السائدة حالياً وعدم قدرته على إتخاذ القرارات الضرورية والصائبة لحل الأزمة بالرغم من الوقت الكافي المتاح لاتخاذ مثل هذه القرارات الضرورية.
فالوقائع ومسار الاتصالات الجارية منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وتأليف الحكومة الحالية وسلسلة الاجتماعات التي جرت حتى اليوم، تؤشر بوضوح إلى تخبط أطراف السلطة مجتعمين بسوء الأداء السلطوي وافتقاد مقومات استنباط الوسائل المطلوبة للمباشرة بوضع خطة إنقاذية للوضع الاقتصادي والمالي المتدهور بسرعة، والذي ينذر بتداعيات غير محسوبة في حال لم يسارع أهل السلطة للاتفاق على اتخاذ قرارات مهمة بمستوى الأزمة.
فالكل يعرف ان الأزمة التي يمرُّ بها لبنان صعبة ومعقدة ولا تُعالج بإلقاء الاتهامات وتقاذف المسؤوليات على الخصوم والوقت يمضي هباءً، بل تتطلب أولاً وأخيراً مَن يتحمّل المسؤولية بجدارة وليس بالشعارات والغرق في بحر تصفية الحسابات السياسية الضيقة التي تنعكس مزيداً من العجز والفشل على أهل السلطة الحاليين مجتمعين، وعلى اللبنانيين بمزيد من الضرر.