IMLebanon

بعد 30 عاماً… الرئيس عون ينتقم من «الطائف» (٢)  

 

لا بدّ من التذكير في بداية هذه الحلقة الثانية، بأنّ ميشال عون هو الوحيد الذي كان ضد «اتفاق الطائف» عام 1990، وبأنه ورغم كل المغريات التي قدّمت له، رفض الاتفاق وأصرّ على البقاء في قصر بعبدا حتى إنهاء حالة التمرّد باقتحام القصر، يوم أجبر المقتحمون عون على الهرب بالبيجاما الى السفارة الفرنسية تاركاً زوجته وبناته الثلاث الى آخر القصة.

 

كما شرحنا في الحلقة الأولى محاولة عون الإلتفافية على «اتفاق الطائف» للإنتقام من هذا الاتفاق. لذا فنحن نجده اليوم «يحارب» الاتفاق، ويخرق الدستور مراراً وتجلّى هذا الإختراق الفاضح والواضح في عرقلة تشكيل الحكومة، التي يحاول الرئيس المكلف سعدالدين الحريري تشكيلها.

 

وفي الحلقة الأولى أيضاً، ذكرنا أربعة عوامل، تُدين الرئيس عون وتبيّـن انتهاكه وخرقه للدستور. وها نحن نتابع في هذه الحلقة بدءًا بالعامل الخامس.

 

خامساً: ليس بالدستور ما يشير الى ضرورة الأخذ بكل مطالب القوى السياسية، لأنه لا يجوز، ومن غير المقبول أن تلجأ هذه القوى الى فرض إرادتها في الصيغة المقترحة، سواء في تسمية وزرائها، أو اختيار الوزارات التي تشاء، أو عدد الوزراء، أو عرقلة تشكيل الحكومة. فبالنسبة للرئيس المكلّف، فإنّ عليه محاولة جمع أكبر عدد من القوى السياسية حوله، لأنه بحاجة الى أصواتهم عند نيل الثقة.

 

من ناحية ثانية، هناك مثل يقول: «لا يرضي العباد إلاّ ربّ العباد»، فكيف يستطيع الرئيس المكلّف تنفيذ مطالب كل القوى، بل هو حتماً بحاجة الى كسب تأييد أغلبيتهم حسب ما يراه مناسباً.

 

سادساً: إنّ الدستور الذي عهد الى كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إصدار التشكيلة بالاتفاق، قد أوجب عليهما التعاون، وعلى رئيس الجمهورية أن يلعب دور المؤازر والداعم والمسهّل، لا المعرقل، فهو المرجع والحكم العادل وصمّام أمان للنظام.

 

سابعاً: هل لرئيس الجمهورية حصة في الحكومة حسب الدستور؟

 

الجواب انه لا يمكن الإعتداد بما ورد في «اتفاق الدوحة» الذي أعطى رئيس الجمهورية حصة في الحكومة، لأنّ هذا الأمر فرضته ظروف إستثنائية انتهت بتوافقات ظرفية.

 

إنّ إعطاء حصة لرئيس الجمهورية، لا يخالف الدستور فحسب، ولكن لا يليق بمقام رئيس الجمهورية، ولا بمعنويات الرئاسة. لأنه يختصر وجوده بعدد معيّـن من الوزراء… ويذهب بهيبته وبكونه الحكم العادل فوق الجميع.

 

ثامناً: هل يجوز نزع التكليف أو الثقة التي أعطيت للرئيس المكلف؟

 

لقد حدّد الدستور في المادة (53) منه، دور أعضاء مجلس النواب، بإعطاء رئيس الجمهورية رأيهم الملزم، بشأن شخصية من يكلّف بتشكيل الحكومة. وهذا يعني أنّ دور النواب إستشاري مُلزم، ينتهي بانتهاء التكليف. فلا يجوز إعفاء الرئيس المكلف من التكليف وسحب الثقة منه، أو توقيع عريضة من أكثرية النواب، تطلب من رئيس الجمهورية سحب هذه الثقة. ويشكّل هذا  -إن حدث- إختراقاً للدستور، ويخالف الأصول التي وضعها هذا الدستور. كما لا يحق لرئيس الجمهورية توجيه رسالة الى مجلس النواب في هذا الصدد، فالمادة 53 من الدستور (البند العاشر)، يُجيز لرئيس الجمهورية توجيه رسالة الى مجلس النواب عندما تقتضي الضرورة، وهذا العمل محصور بالقضايا الكبرى، صوناً للقرار الوطني المستقل، بعيداً عن الخارج وتأثيراته.

 

تاسعاً: ما هو الحلّ، إذا لم يتفق الرئيسان على التأليف؟

 

إذا لم يتم التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، فإنّ أي حلّ خارج الدستور غير قانوني وأنّ الحل يكون:

 

– باستمرار رئيس الحكومة بهذه المهمة باتفاق مع رئيس الجمهورية وموافقته على إصدار مرسوم التشكيل وترك أمر الثقة لمجلس النواب.

 

– أو بوضع حد للصراع السياسي وإراحة البلاد -ولو مرحلياً- وذلك بقيام الرئيس المكف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة من خارج مجلس النواب وفقاً لما تنص عليه المادة 28 من الدستور -والحل الوحيد برأيي- هو استكمال المسار الذي حدّده الدستور لتشكيل الحكومة، كما بيّنا سابقاً.

 

عاشراً: إنّ أكبر دليل على خرق الدستور وتجاوزه من قِبَل رئيس الجمهورية، المجلس الأعلى للدفاع، الذي أناط به رئيس الجمهورية، مسؤولية إدارة البلاد، متجاوزاً حكومة تصريف الأعمال، معتمداً عليه لتسيير الأمور، والإستعانة به لعرقلة تشكيل حكومة جديدة، إلاّ إذا كانت متوافقة «مع هواه».

 

إنّ كل ما أراد الرئيس عون بقوله: أنا الحاكم بأمري، فأنا فوق القانون، ولا يوجد غيري في هذا الوطن.

 

إنّ المادة 17 من الدستور، أناطت السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء، وبالتالي، لم يعد رئيس الجمهورية جزءًا منها، وبالتالي فإنّ الدستور لم يعطه حق المشاركة فيها، خاصة وأنّ المادة 49 من الدستور، جعلته رئيس الدولة، ورئيس كل السلطات، لا أن يكون طرفاً في أيّ منها.

 

أوبعد هذا كله، يمكن قبول تفسيرات الجنرال حول الدستور؟ وهل من حقه تفسير «اتفاق الطائف» كما يحلو له..؟

 

إنّ ما ذكرناه من مراحل تشكيل الحكومة، يبيّـن بوضوح أنّ وراء «الأكمة» ما وراءها… وأنّ النيات ليست صافية… بل إنّ هناك توجّهاً بدفع الرئيس المكلّف الى الإعتذار.