IMLebanon

عهد الدّمار الشامل  

 

طالما تحدّث الناس عن «أسلحة الدمار الشامل»، وشكلوا جبهات لمحاربتها والقضاء عليها… لكننا اليوم نقف في لبنان أمام عنوان من نوع آخر… انه «عهد الدمار الشامل».

 

الحرب على أسلحة الدمار الشامل، ومحاولة تدميرها، كانت حجّة للرئيس الاميركي جورج بوش الإبن، لغزو العراق. فبوش الإبن وضع ذرائع ثلاث للدخول الى بلاد ما بين النهرين:

 

1- وجود أسلحة دمار شامل.

 

2- تواجُد لمقاتلي «القاعدة» هناك.

 

3- إغاثة الشعب العراقي الذي يتوق للحرّية في عهد صدّام حسين. حتى ان الرئيس الاميركي ظنّ أنّ الشعب العراقي سيستقبل جنوده بالأزاهير والورود والرياحين والياسمين، وأنّ نَثْرَ الأرز على الجنود سيكون عنوان الإستقبال الكبير. لكن الأمور كلها سارت عكس ما تشتهيه سفينة بوش الإبن. إذ لا أسلحة دمار شامل، ولا اسْتُقْبِلت قواته بالورود… فاهتزت صورة بوش الإبن، حتى بدا وكأنه غبي، أو أنّ أحداً «استغباه» فأوقعه في وَحْلِ الغباوة.

 

نعود الى عهد الدمار الشامل، عهد الرئيس القوي… وأتساءل: من أين جاءت هذه الكلمة «الرئيس القوي»، وما المقصود بالقوة هنا؟ فهل القوة نتيجة قوّة وتضخّم العضلات؟ أم أنّ القوة هي في قهر الشعب وتجويعه وتركيعه وحرمانه من كل مقوّمات العيْش الكريم؟

 

عهد «الدمار الشامل» هو عهد الرئيس عون… والرئيس عون لم يكن صاحب عهد فاشل في فترة رئاسته الحالية. فهو صاحب عهد دمار شامل منذ سلّمه الرئيس أمين الجميّل، مقاليد الحكم، كرئيس حكومة عسكرية، مهمتها إجراء إنتخابات رئاسيّة فقط لا غير… بعد أن فشل الجميّل في نيل موافقة الرئيس حافظ الأسد على تمديد أو تجديد ولايته.

 

ففي آذار من العام 1989، أعلن عون «حرب التحرير» ضد الجيش السوري المتواجد في لبنان يومذاك، وادّعى أنه يحارب من أجل إستقلال لبنان.. أتبعها بقيام جيشه بمقاتلة «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع (حرب الإلغاء) للسيطرة على أحياء جونية ومنطقة المرفأ ومحطة الكهرباء.

 

لقد تعرّض المسيحيون في هاتين الحربين (التحرير والإلغاء) الى أبشع وأكبر تدمير في مناطقتهم، إذ هاجر ما يزيد على الـ300 ألف مواطن مسيحي، وقُتِلَ أكثر من خمسماية مسيحي من الجيش و«القوات»… ودُمّرت الأحياء المسيحية…والهدف «إلغاء» و»تحرير».

 

فإذا أضفنا الى «حرب التحرير» و«حرب الإلغاء» حرباً ثالثة هي حرب التمترس في قصر بعبدا… فتلك المصيبة الكبرى. لقد أصرّ عون وبعد رفضه المطلق لـ«اتفاق الطائف»، وبعد انتخاب الرئيس الياس الهراوي أو رئيس بعد «الطائف»، أصرّ على البقاء في قصر بعبدا، وعدم تسليم الحكم للرئيس الشرعي… وإثر اتخاذ قرار إنهاء الحالة العونية تلك، والقضاء على التمرّد، صرّح «صاحبنا» أنه سيدافع عن القصر حتى الرمق الأخير… حتى ولو ظلّ وحيداً… لكنه كان أوّل الهاربين بعد دخول القوات السورية الى القصر… هرب بالبيجاما والتجأ الى السفارة الفرنسية تاركاً زوجته وبناته الثلاث في عهدة المهاجمين… والقصة باتت معروفة.

 

ولكن… وللتاريخ، فإنّه يسجّل للجنرال عون، إنجازات لم يسبقه إليها أحد:

 

1- لقد ساهم في دخول القوات السورية الى قصر بعبدا للمرّة الأولى.

 

2- كما ساهم في إدخال هذه القوات الى وزارة الدفاع وللمرّة الأولى أيضاً.

 

إنّ ما جلبه عون على المسيحيين من ويلات في تلك الحقبة، لا يمكن وصفه… الدمار والخراب والقلق والتهجير… كل هذه النتائج سببها ميشال عون صاحب عهد الدمار الشامل اليوم.

 

لقد كَتَم اللبنانيون غيظهم، بعد تلك الويلات والمصائب. لكن ولسوء حظ هؤلاء، أن يتسلّم عون رئاسة الجمهورية، بعد فراغ قاتل.

 

وأعتقد أنّ كل من ساهم في مجيء عون، وانتخابه، ارتكب خطأ قد يكون قاتلاً، وكأنّ الجميع لم يتعلّموا من «الماضي»..

 

ظنّ المساهمون في انتخابه، أنّ عون صار كبير السن، وأنه قد ينهي حياته بإصلاح وطنه، وبنائه على أسس متينة..

 

ظنّوا أنه سيكون رجل الإعمار والبناء… فخاب ظنّهم… وتلاشت آمالهم وأحلامهم.

 

فلأوّل مرّة في تاريخ لبنان، تمّ القضاء على القطاع المالي. فالمصارف اللبنانية كانت من أهم مصارف الوطن العربي الكبير. لقد شُبّه لبنان بسويسرا، وأُطلق عليه اسم «سويسرا الشرق». فطبيعته خلاّبة، وهو بات مقصداً لوجود «سريّة مصرفية فيه»، والشلل في المصارف بسبب وجود أموالها كديون على الدولة اللبنانية، ما تسبّب بعجز حكومة دياب عن سداد اليورو بوند.

 

لقد فاق عدد المصارف فيه الثمانين مصرفاً، كما بلغت الودائع أكثر من 200 مليار دولار، فيها مالٌ عربيٌ وفير. وفي عهد «الدمار الشامل»… أهدر الصهر العزيز أكثر من خمسين مليار دولار على الكهرباء: عناداً واستكباراً وسمسرة وغير ذلك لا يعلمه إلاّ الله تعالى…

 

أمّا علاقات عهد «الدمار الشامل» مع العرب، فحدّث ولا حرج، ساءت العلاقات، حتى باتت شبه منقطعة… استبدلها العهد بعلاقات مميّزة مع إيران والقوى الممانعة..

 

فضّل الإنحياز لـ»الحزب العظيم»، ووقف في وجه «أهلنا العرب». بالطبع، فإنّ كل ما اتخذه عهد «الدمار الشامل» من مواقف، هدفه أولاً وثانياً وثالثاً الخ… وضع الصهر العزيز في صدارة «المرشحين لرئاسة الجمهورية» ودعمه ولو «خرب البلد». الصهر المرشح، تلقى عقوبات أميركية بسبب الفساد. ولو أراد إزالة آثار هذه العقوبات لاحتاج الى عشر سنوات في المحاكم الأميركية على الأقل.

 

لقد دمّر عهد «الدمار الشامل» السياحة… فالفنادق فارغة، والمطاعم والملاهي متوقفة عن العمل… وحركة السياحة متوقفة مشلولة.

 

إنّ سمعة لبنان صارت في عهد «الدمار الشامل» «جِرصة» وعلى كل شفة لسان..

 

وسأكتفي اليوم بهذا الكمّ من إنجازات عهد «الدمار الشامل» في ظل تدهور إقتصادي وانهيار مالي واجتماعي… لأختم وأقول:

 

«يا رب أنقذنا».