Site icon IMLebanon

الرئيس القوي وأبو العلاء المعرّي

 

 

… وفَرِحنا بالرئيس القوي مهلِّلين، كأنمّا هبَـطَ علينا العـونُ من الله…

 

ويوم سكرْنا وتعانقت الكؤوس ابتهاجاً، لم نكـن ندري أنَّ يومنا سيكون بلا غـدٍ، وأننا سنحطّم الكؤوس على شفاهنا مع الأخطل الصغير:

لـمْ يكُـنْ لي غـدٌ فأفرغْتُ كأسي

 

ثمَّ حطَّمتُها على شفتّيا

 

في مراجعةٍ لتاريخ الرؤساء منذ الإستقلال، يتبَّين أنّ العهود الأقلّ فساداً هي التي يتولاها رؤساء لـمْ يولَـد لهم أولاد، ولم يولدوا من رَحِـم الأحزاب…

 

الرئيسان: فؤاد شهاب وشارل حلو لم يُرزقا بالبنين والبنات الصالحين…

 

والرئيس الياس سركيس ترهَّب وتهرَّب ورفع عنه تلك الكأس فظـلّ عازباً…

 

خطيئة الرئيس ميشال عـون أنّـه لم يكتفِ بما رُزِق، بـلْ شاء أن يكون «بـيّ الكل» فكان حجم الفساد بمقدار حجم الأولاد.

 

الرئيس بشارة الخوري لأنه كان يتمتّع بنعمة الزواج والأولاد ولأنّ والده كان متزوجاً جدّاً، والأخُ للأخِ جناح ، فإنّ قـوة الفساد أسقَطَتْه في منتصف الولاية الثانية.

 

بالمعنى البيولوجي، تُثبـتُ التجربة في معظم مراحل التاريخ، أنّ مواصفات الرئيس القوي تنطبق على الرجل الأعزب أو المتزوج بلا أولاد، ولا سيّما البنات مع أزواجهنَّ الأصهار.

 

السلطان العثماني مصطفى الثالث استمرّ حكمه ما يزيد على الخمسين عاماً لأنه أنجب الكثير من الأولاد ولم ينجب بنتاً.

 

الملكة البريطانية أليزابيت تيودور استمرّ حكمها خمسة وأربعين عاماً لأنها بقيتْ عزباء، وبهذا القول الفيلسوف الإنكليزي فرنسيس بيكون: «إنّ أفضل الأعمال وأعظمها أثـراً على الناس نبعَت من أناس ليس لهم زوجة ولا أولاد (١)».

هذا إلاّ إذا كان الرئيس يتزوج أربع مرات بنساء ثريّات من أجل إنعاش خزائن الدولة كما فعل فيليب الثاني ملك إسبانيا .

 

وهذا لا يعني أنَّ ما ينطبق على تداول السلطة في ولادة البنات، يقودنا إلى التشاؤم البيولوجي والحـدّ من النسل البشري عملاً بالقاعدة التناسلية التي أطلقها الشاعر المتزهّد أبو العلاء المعري بقوله: «خيـرٌ للإنسان إلاّ يولد، وإنْ وُلِـدَ ألاَّ يتزوج ، وإن تزوج ألاَّ ينجب أولاداً…

 

الملك البريطاني أدوار الثامن أراد أن يتزوّح المرأة الأميركية «واليس سمبسون» ولما عارضه البرلمان تنازل عن العرش مفضّلاً الزواج على التاج تحاشياً لأي مشكلة دستورية.

 

تصوّروا مثلاً، لو أنّ الطبقة السياسية الحاكمة عندنا لمْ تُشركْ الزواج بالتاج، ولم تشترك جمعيات الزوجات بنهب الخزينة…

 

ولو أنّ الأولاد لا يُتوَّجون كأبناء الملوك ملوكاً منذ الولادة.

 

ولـو أنّ الحكام لا يدّعون كما الملوك بأنّهم ممسوحون بالزيت المقدّس.

 

ولو أن المسرحية السلطوية ميّـزَتْ بين البطل الملحمي الذي يتجنّد في خدمة قضيةٍ إنسانية، والبطل الدموي الذي يتجنّد في خدمة القتل.

 

لولا هذا وذاك، هل كانت ملحمة هذا الإنهيار العارم الذي يكاد معه لبنان أن يُمحى من الخريطة الكونية…؟

 

لم نعد في حاجة إلى الإستعانة بالمصطلح الفلسفي لنحدّد مفهوم القوة والضعف في شؤون الحكم…

 

وبين القوة الخادعة والضعف المبدع إنكشفت في التاريخ هرطقة الملوك الذين يدّعون بأنهم ممسوحون بالزيت المقدّس، فانمسحوا في مزابل التاريخ.