فعلاً… إنّ هذا العنوان، ينطبق على فخامته… فهو يعيش في كوكب آخر، ليس له علاقة بالعالم الواقعي والمأساوي الذي يعيش فيه اللبنانيون، في ظل «العهد القوي» و»الحزب الإلهي»… و»ربنا يستر».
أقول: … إنّ فخامته يعيش في المريخ، لسبب بسيط، إذ هو غائب عما جرى في طرابلس، من إحتجاجات ممزوجة بالعنف… هذه الإحتجاجات التي أدّت الى مقتل بريء، وجرح المئات من القوى الأمنية والمواطنين.
تظاهرات طرابلس سببها الجوع والفقر والحرمان.. وتقصير الدولة في تقديم الحدّ الأدنى من الخدمات… وكما قال أحد الطرابلسيين الظرفاء: «في العام 1920، كانت طرابلس جزءًا من سوريا، ولم تشأ الإنسلاخ عنها، لكنها صارت بعد ذلك لبنانية، متمسّكة بلبنانيتها.. وقدمت التضحيات في سبيل هذا الوطن، وآمنت بلبنان وطناً نهائياً لكل أبنائه».
طرابلس عزيزة على الجميع، تتموضع في قلوب كل اللبنانيين، وأهلها طيّبون بسطاء، يخافون الله ويتمسّكون بتعاليم الدين… لكنْ هناك تقصير مزدوج… أوله من الدولة التي أهملت المدينة، فباتت منسيّة، وثانيه من أهالي المدينة الميسورين.
لقد ثبت لدينا، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ فخامته لا يعلم بما يجري خارج قصره، أو ربما كان وضعه الصحي سبباً لا يسمح له بمتابعة أمور الدولة كما يجب.
ولأبدأ بالڤيديو المسرّب، وبالكلام الذي قاله فخامته أمام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان ذياب متهماً الرئيس المكلف سعدالدين الحريري بالكذب… والمصيبة هي، كيف أنّ ذياب ظلّ صامتاً… حقاً إنه أمر عجيب.
أمّا الرئيس المكلف، وهو ابن بيت عريق، فلم يشأ الإنحدار الى مهاترات وجدل عقيم… فظلّ متمسّكاً بالصبر، حفاظاً على فكرة إنقاذ الوطن مما هو غارق فيه، علّه ينجح في تشكيل حكومة مهمة إنقاذية. هذا هو «الإشتباك الأول» الذي انتهى بتغليب مصلحة الوطن على ما عداها من قبل الرئيس المكلف.
وأُذَكّر هنا بأنّ فخامة الرئيس عون، تسبّب بهجرات كبرى للمسيحيين، وهو الذي يتباهى اليوم بأنه يدافع عن حقوق المسيحيين.
الهجرة الأولى كانت في العامين 1988 و1989، بسبب حربي «التحرير والإلغاء» ضد سوريا ومن ثم ضد «القوات اللبنانية» ما تسبّب بهجرة 300 ألف مسيحي لبناني الى أوروبا وأميركا وكندا واستراليا.
الهجرة الثانية: يوم أراد «الحزب العظيم»، محاصرة السراي تمهيداً لاقتحامها، واحتلال القصر الحكومي، وكان «العونيون» مشاركين في هذا الحصار… ولولا صمود الرئيس فؤاد السنيورة، وتصميمه على البقاء في السراي قائلاً: «لو قُدّر لي أن أموت هنا فأنا على استعداد للموت» و»جَتْ سليمة» والحمدلله، ولكن لا تسلم الجرّة في كل مرّة.
ما أريد قوله هنا، أنّ محاصرة القصر الحكومي، تسبّبت بهجرة ما بين 300- 400 ألف مسيحي، هرباً، وكله بسبب أعوانك يا فخامة الرئيس. ولنقل إنّ الهجرة الثانية هذه للمسيحيين كانت وبالاً عليهم.
الهجرة الثالثة: رغم معاناة اللبنانيين، كل اللبنانيين من جائحة كورونا، جاء محاولاتك عرقلة تشكيل الحكومة بذرائع شتّى، أهمها حصة الرئيس، وتسمية الوزراء واختيار الحقائب، كل ذلك إرضاء للصهر العظيم المدلل، وتياره الميمون.
الهجرة الرابعة جاءت بعد انفجار المرفأ الى جانب جائحة كورونا ونزوح عدد كبير من المسيحيين عن لبنان.
لذا أقول لك يا فخامة الرئيس: عن أي المسيحيين تتحدّث؟ وهل أنت بالفعل حريص على وجودهم وحقوقهم؟
«الطائف» يا فخامة الرئيس، أعطى المسيحيين مبدأ المناصفة لاغياً «العدّ»… ومهما فعلت لا تستطيع ان تفعل ما فعله «الطائف».
كما ألفت فخامتكم الى النقاط التالية:
أولاً: رئيس الجمهورية رئيس كل اللبنانيين، ولم يكن يوماً للمسيحيين بوكالة حصرية… فكلامك عن حقوق المسيحيين يساهم في تصغيرك، فأنت لكل اللبنانيين من مسيحيين على اختلاف مذاهبهم، ومسلمين على اختلاف وتعدد إنتماءاتهم الدينية. ولا أدري من هو الغبي الذي علّمك مثل هذا الشعار؟
ثانياً: تقول فخامتك: لا حاجة لي كي أدعو الحريري، فأنا قلت له وأكرر: أهلاً به في بعبدا إذا جاء ومعه مشروع حكومة غير التي أتى بها من قبل.
وهنا نقول للرئيس إنّ المادة 53 من الدستور تنص على أنّ الرئيس المكلف هو الذي يجري الاتصالات بجميع الكتل النيابية، وهو الذي يتفق معها، وبعد الاجتماع بالكتل يُصار الى تقديم لائحة لفخامته كي يتناقش الرئيس المكلف معه ويُصار الى إصدار مرسوم تشكيل الحكومة.
ثالثاً: اما قول فخامته إنه يريد أن يعيّـن الوزراء المسيحيين، ويختار لهم الوزارات التي يريدها، فهذا الكلام ليس منصوصاً عليه في الدستور.
رابعاً: يتحدّث فخامته عن العدد ويقول إنه كان يقبل بالعدد 18 ولكنه غيّر رأيه، وهو يريد أن تكون الحكومة من عشرين وزيراً.
هنا لا بد من كلمة هي أنّ هذا الكلام لا يتناسب مع «عمر» الرئيس.
خامساً: قال الرئيس إنّ الحريري أعطى الشيعة ما يريدون، إذْ قبل أن يكون وزير المالية شيعياً، وأعطى «حزب الله» ما يريده فلماذا لا يريد أن يعطيني حصتي؟
سادساً: بالنسبة للمداورة، فليعلم فخامته علم اليقين ان تنازل الرئيس الحريري عن المالية، جاء بعد تعقّد تشكيل حكومة مصطفى دياب، لأنّ الثنائي الشيعي كان أصرّ على تسلم هذه الوزارة، مما حدا بالرئيس الحريري للعمل على إنقاذ تشكيل حكومة، مقدراً الظروف التي نعانيها وضرورة التشكيل مهما كانت الظروف.
ويكفي أنّ الرئيس الحريري ومنذ 3 سنوات، أي في بداية عهد الرئيس عون، استطاع أن يحقق إنجازاً كبيراً، إذ دعت فرنسا الى مؤتمر لدعم لبنان، تقرّر خلاله إعطاء لبنان 12 مليار دولار ضمن شروط إصلاحية لو تحققت لنجا لبنان، لكن فخامته عرقل هذا المشروع مع السيدة تيريز… ألا يظن فخامته اننا كنا في موقع إقتصادي آخر لو تمت الإصلاحات؟
سابعاً: يقول فخامة الرئيس إنّ الرئيس المكلف رفض التحقيق الجنائي، ولما سأله عن السبب، أجابه: «ان الرئيس بري ووليد جنبلاط» سيحجبان الثقة عن الحكومة في حال القبول بمبدأ التحقيق الجنائي…
هنا نذكّر فخامته بموافقة المجلس النيابي على التحقيق الجنائي وبتشجيع من الرئيس بري وموافقة وليد جنبلاط وكتلة المستقبل.
أوبعد ذلك كله.. ينبري رئيس الجمهورية مدافعاً عن حقوق المسيحيين؟
وأخيراً… نقول لفخامته.. انزل يا فخامة الرئيس الى عالم الواقع… فلبنان يحتاج تضحية من الجميع… ورحمة من الله ربّ العالمين.