Site icon IMLebanon

لعنة التمديد!

 

إنّها اللعنة التي تلاحق كلّ رؤساء الجمهورية في لبنان، وهي لعنة التمديد. الإستثناءات قليلة في هذا المجال، من أبرزها الرؤساء فؤاد شهاب وإلياس سركيس وميشال سليمان.

 

الرئيس شهاب، الذي كان إستثنائيّاً في كلّ المجالات، إستقال ولم يكن قد مرّ نصف ولايته، ورفض التجديد الذي توفّرت له غالبية ساحقة من أعضاء المجلس النيابي. أمّا الرئيس سركيس الذي أنهكته سنوات الحرب الدامية، فكان يستعجل الإنتخابات الرئاسية ليترك القصر.

 

وللتذكير ببعض الوقائع التاريخية، الرئيس بشارة الخوري، رئيس الإستقلال، سقط في ثورة بيضاء سنة 1952 ولم يتمكّن من إكمال ولايته المجدّدة (بالمناسبة لم تكن ثمّة فيتوات طائفية آنذاك على إسقاط الرئيس في الشارع كما هي الحال الآن). أمّا الرئيس كميل شمعون فأسقطت ثورة 1958 مشروعه بتمديد ولايته.

 

وبعد إتفاق “الطائف”، حصل التمديد بقرار من الوصاية السورية للرئيس الراحل الياس الهراوي، ومن ثمّ للرئيس إميل لحود الذي كان عهده من أسوأ العهود الرئاسية، لأنّه قام على النكايات والكيدية ولم يفلح سوى في تعطيل المشاريع الإصلاحية (والنهج ذاته يعتمده الرئيس الحالي ميشال عون).

 

مناسبة هذا الكلام الآن، تصريح أحد نواب “التيار الوطني الحرّ” بأنّ ثمّة سعياً جدّياً لتمديد ولاية الرئيس عون التي ستنقضي بعد أقلّ من سنتين. وبالرغم من بيانات النفي المتعدّدة التي صدرت تحت شعار أنّ “الرئيس أقسم على حماية الدستور والسهر على تطبيقه”، إلا أنّ ذلك لا يلغي أنّ ثمّة مشاعر جدّية تدغدغ البعض الذي يرى في الرجل “فرصة تاريخية” لن تتكرّر للبنان واللبنانيين إلا مرّة في عدّة أجيال (الحمد الله على ذلك، وأعان الله الأجيال المقبلة التي ستشهد تكرار الظاهرة الشبيهة بعون والعونيين).

 

أمّا الكلام الآخر الذي صدر عن بعض نجوم الشاشات الذين يقفزون من محطّة الى أخرى، كما يقفزون في هذه الأيام من تحالفات الى أخرى، وهو الكلام الذي يقول بأنّه في حال عدم إجراء إنتخابات رئاسية في موعدها سيعني عدم تسليم الرئيس عون السلطة للحكومة القائمة، فهو يعكس بشكل عميق إحترام الرجل “حماية الدستور والسهر على تطبيقه”. ولكنّ الدستور يقول بتسليم السلطة للحكومة مجتمعة أسوة بما حصل عقب إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان عندما قامت حكومة الرئيس تمام سلام (رجل الدولة بإمتياز) بإدارة شؤون البلاد لفترة طويلة.

 

غياب الثقافة الدستورية والديموقراطية من شأنه تشويه اللعبة السياسية وحرفها عن مسارها الصحيح، فالدستور يُكتب ويُصاغ بعناية لكي يُحترم ويُطبّق، وليس لكي يُعدّل عند كلّ منعطف وفي كلّ مناسبة. يا لها من عبارة مشؤومة تلك التي تقول: “لمرّة واحدة وإستثنائية فقط”. إستعملت سنة 1995 للتمديد للرئيس الهراوي، وسنة 1998 لإتاحة إنتخاب لحود، وثم سنة 2004 للتمديد له. وكم كان مسموماً ودموياً ذاك التمديد.

 

في خطاب القسم أمام المجلس النيابي، قال الرئيس المنتخب فؤاد شهاب سنة 1958: “لا بدّ من أن يطمئنّ المواطن إلى تجرّد الحاكم، وعدل القاضي، وأمانة الموظّف”. هل نحن أمام حاكم متجرّد وقاض عادل وموظّف أمين؟ هل نحن أمام رجال دولة كما كانت الحال مع رشيد كرامي وكمال جنبلاط وصائب سلام وريمون إده وكميل شمعون وآل الصلح؟ كلا، نحن أمام مجموعة من الصبية الذين يتلهّون بالبلاد والعباد، ولا يفقهون التوازنات التاريخية ويظنّون أنّ تاريخ لبنان بدأ معهم.

 

وفوق كلّ ذلك، يتحدّثون عن التمديد! الدستور يأتي في المرتبة الأولى، وكلّ ما دونه لا يعدو كونه حسابات مصلحية وفئوية ضيّقة.