إنتُخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016 تحت شعار الرئيس القوي، وما لبث أن تحوّل هذا العهد إلى عهد النكبات المتلاحقة، في حين رفع وزراء “التيار الوطني الحرّ” ونوابه شعار “ما خلّونا نشتغل” لتبرير الإخفاقات المتلاحقة التي تحصل.
في عهد عون لم يُحاسب أي سارق للمال العام ولم يتمّ إصلاح القضاء، وارتفع منسوب الفساد وسط اتهام فريق الرئيس بالإنغماس باللعبة بدل محاسبة الفاسدين، والأهم لا تزال الكهرباء، التي تولاها الوزير السابق جبران باسيل في العام 2008 ومن ثمّ تعاقب عليها وزراء “التيار”، تستنزف خزينة الدولة.
والناظر إلى عهد عون يكتشف بالأرقام والوقائع أن العهد تعطّل بفعل التناحر السياسي وسياسة المقرّبين من عون وعلى رأسهم باسيل، في حين أن المحطات التي تعطل فيها عمل الحكومة لم تكن مرتبطة بالاختلافات بين الأفرقاء على الملفات المرتبطة بالفساد وسوء الإدارة مثل الكهرباء والمالية والاقتصاد، بل ان التعطيل والتأخير الفعلي أتيا نتيجة لتوقف الحكومة عن العمل خلال محطات كبرى.
وبدأت تلك المحطات عند استقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية في 4 تشرين الثاني 2017 ومن ثم عاد عنها، وتوقف نشاط مجلس الوزراء طوال الفترة التي أمضاها الحريري في السعودية ومن ثم في باريس حتى عودته الى لبنان في 21 تشرين الأول والعودة عن استقالته رسمياً في 5 كانون الأول، وبالتالي يكون عمل مجلس الوزراء توقف لمدة 31 يوماً.
وشهدت مرحلة ما قبل الإنتخابات النيابية انشغال أفرقاء السلطة بتعيين المحاسيب والمحاصصة والإختلاف على موازنات الإنتخابات وشراء البطاقات والحبر وغيرها، كل تلك الخلافات حدّت من أعمال مجلس الوزراء، لكن من دون أن توقفها.
وبعد الإنتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار 2018، عاشت البلاد مرحلة تصريف أعمال طويلة بسبب الخلاف على تشكيل الحكومة وتوزيع الوزارات السيادية والخدماتية، وخلق عقد مثل عقدة التمثيل الدرزي من ثمّ سنّة 8 آذار، وبقيت البلاد بلا حكومة إلى 31 كانون الثاني 2019، أي إن فترة تصريف الأعمال والتعطيل طالت ووصلت إلى أكثر من 8 أشهر.
ولم تحمل ولادة حكومة العهد الثانية برئاسة الحريري حلاً للتعطيل، فقد توقف عمل مجلس الوزراء لفترة طويلة بعد حادثة قبرشمون التي وقعت في 30 حزيران 2018، وبقيت البلاد من دون إجتماعات للحكومة إلى 10 آب، أي 40 يوماً، وخلال هذه الفترة كان يجب أن تُطبّق الإصلاحات التي وعدت بها على هامش موازنة 2019، كما أن مناقشة موازنة 2020 تأخّرت بسبب ذلك التعطيل.
من أصل السنوات الثلاث من عهد عون والتي ترأّس فيها الحريري حكومتين، توقّف العمل كلّياً في مجلس الوزراء 70 يوماً وعاشت البلاد في ظل حكومة تصريف الأعمال لمدة 8 أشهر، أي بإجمالي 10 أشهر من التعطيل بسبب خلافات سياسية بين الطرفين المسؤولَين عن السلطة التنفيذية، ولم يكن التعطيل بسبب إختلاف وجهات النظر حول الملفات الإصلاحية كما يُصوّر البعض.
أما بعد انتفاضة 17 تشرين التي أسقطت حكومة الحريري، فتشكّلت حكومة الرئيس حسان دياب في 21 كانون الأول 2020 بعد 3 أشهر على استقالة حكومة الحريري بفعل ضغط الشارع، ودام عمل هذه الحكومة 8 أشهر قبل أن تستقيل أيضاً تحت ضغط الشارع بعد انفجار مرفأ بيروت المدمّر.
وبعد استقالة حكومة دياب في 10 آب 2020، تعطّل تأليف حكومة بسبب مطالب “الثنائي الشيعي” من ثم إصرار الحريري على ترؤّس الحكومة وحرق الأسماء السنّية الأخرى، واعتراض “التيار الوطني الحرّ” على الحريري وطريقة تشكيل حكومته وعلاقته مع “الثنائي الشيعي”، ومرّت 6 أشهر وما زلنا من دون حكومة وسبب التعطيل هما الفريقان عينهما يُضاف إليهما ربط “حزب الله” هذا الإستحقاق بأجندة إيران، لتصبح مدة التعطيل سنة ونصف السنة من أصل 4 سنوات، أي تقريباً 40 في المئة من ولاية “العهد القوي”.
وإذا تشكّلت حكومة بسحر ساحر غداً، ستعيش مدة أقصاها تاريخ الإنتخابات النيابية المقرّرة في أيار 2022، حيث من المرجح أن ندخل بعدها في مرحلة تصريف أعمال جديدة لمدة 6 أشهر ولن يكون تشكيل حكومة فيها بديهياً، فيصبح اجمالي التعطيل من العهد سنتين من أصل 6 سنوات… أي الثلث بالتمام والكمال.