IMLebanon

حين يفشل القصر…

 

قد لا نعرف أبداً بماذا شعر رئيس الجمهورية حين رأى ساحة بكركي في 27 شباط 2021 تستقبل الحشود وتدقّ أجراس “الاستقلال الثالث” لخلاص لبنان وجميع اللبنانيين عبر مؤتمر دولي.

 

ولا نعلم هل أطفأ فخامته جهاز التلفزيون لئلا يغضب او يشعر بتوترٍ شديد، ام أنّ مساعديه حجبوا المشهد عنه كي لا يتجرّع مرارة نزع آخر غلالة مسيحية عن الشخص، الذي رأى نفسه يوماً أول زعيم مسيحي مشرقي.

 

لن يصارح أحدٌ الرئيس عون بالحقيقة الصارخة، وهي انّه ما كان لبطريرك الموارنة أن يتصدى بصدره لهذا الشأن الوطني المصيري، لو أنّ الرئيس قام بواجباته وعبَّر بالفعل والملموس عن عمق الوجدان المسيحي واللبناني الجامع في الحفاظ على الكيان والدولة ووحدة الشعب، ولو أن أمور الناس ومصالحهم كانت تسير في الطريق العادي السليم وليست مستباحة للفاسدين، وحياتُهم آمنة وغير مرهونة برغبة المجرمين والمفجّرين.

 

لم ترغب بكركي يوماً في تجاوز رئاسة الجمهورية ولا الرئيس. لكنّها لا تتلكأ حين يتوانيان عن واجبهما الوطني. وللرئيس عون عبرة في قيادة البطريرك صفير مسيرة “الاستقلال الثاني” للتحرر من نير الوصاية والنظام الأمني السوري – اللبناني وواجهتُه إميل لحود. وكان أحرى به ادراك انّ الراعي لن يقبل بأن يبقى الموقع المسيحي الأول ظلاً للسلاح بدلاً من أن يظلّل اللبنانيين كلّهم بإرادة استعادة الدولة وحقها الشرعي. والأجدى ألّا يُطرب للردّ الواحد الموزع على كثيرين وألّا يحتسب في صفه الساكتين والمستكينين.

 

يدفع اللبنانيون مع ميشال عون ثمن اصطفافه في محور الممانعة وعزل لبنان عن المجتمعين العربي والدولي. وصوله الى بعبدا لم يحرّره من تعهدات أطبقت على رئاسته وجعلته رهين محبسي “حزب الله” و”التوريث”. فلا حاول تحييد السلاح لبناء الدولة وتفعيل المؤسسات، ولا استطاع اقرار “استراتيجية دفاع” كانت مطلب الجميع ونقطة لقاء موعودة تضيّق الشرخ وتمنع الفراق حول “السلاح”.

 

حمل البطريرك في سبته التاريخي ما كان على ميشال عون تحمله ايفاءً بقسمه الدستوري، وأقلّه الحفاظ على المؤسسات وتطبيق الدستور. صارت بكركي قُبلة أكثرية الناس فيما الرئاسة تعيش في شرنقتها هواجس المحاصصة الوزارية وتتحوّل عقبة وعنواناً للقسمة، بدل أن تؤدي دور المسهّل والجامع للبنانيين.

 

ماذا يفعل الرئيس في بعبدا؟ سؤال أكثر من جدي. فهو لا يُحسد على ما وصل إليه من ضعف شعبيةٍ ووهن إرادة وهامشية رأي وعزلة دولية، اختصرت ندماءه بالسفيرين الايراني والسوري. أسْقَط “سبت بكركي” نهائياً حجة الرئيس بالدفاع عن “حقوق المسيحيين” وأبلَغَه ان اكثريتهم الساحقة تريد تحقيق “حياد لبنان” وليس تأمين مستقبل جبران باسيل، وأن همَّهم هو الخروج من المأزق وضمان مستقبل آمن في دولة عادية يحميها جيش واحد تحت سقف وثيقة الوفاق، وليس نسج “تفاهمات” انتهازية للوصول الى المناصب والمشاركة في المنهبة والتغطية على الكبائر والارتكابات.

 

قالت ساحة بكركي لميشال عون انّ الصرح جاهز حين يفشل القصر. والقصر هذا ليس كرسياً وصلاحيات، بل ضامن التوازن وانتظام المؤسسات وحارس الدستور والحريات، ولا مبرّر لساكنه حين يخسر واحدة من الواجبات فكيف في حال الفشل العميم؟

 

فخامة الرئيس، لن يستطيع أحدٌ إزاحتك عنوةً. لكن تمسّكك بكرسيك تعذيبٌ شنيعٌ لشعب “لبنانك العظيم”. أُخلد الى ذاتك وقُم بمراجعة ضمير، فلعلّك تفتح باب تغيير شامل يذهب بالمنظومة كلها الى الموقع الذي تستحقه في التاريخ.