قرأت عنواناً في إحدى الصحف يشير الى أنّ الرئيس القوي لن يسمح بأن يحصل معه ما حصل مع رئيس سابق، يعني هنا الرئيس اميل لحود والمصيبة أنه يتهم الرئيس فؤاد السنيورة بمحاولة عزل الرئيس اميل لحود يومذاك.
تذكرت عندما قرأت هذا العنوان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير رحمة الله عليه، الذي رفض ان يصعد المتظاهرون الى قصر بعبدا، ويقتلعوه، ولو لم يتدخل البطريرك لكنا الآن في عالم ثانٍ، عالم لبنان الحقيقي، لا عالم لبنان الإيراني، لبنان الفقر والشحادة والتعْتير و»طيران» الدولار الذي بات من دون أي سقف، وسرقة مال الشعب من البنوك.
وهنا أبدأ من موضوع سرقة مال الشعب، لنسأل: مَنْ سرق مال الشعب من البنوك؟ يدّعون أنّ البنوك هي التي سرقت مال المواطنين. فلو افترضنا أنّ البنوك سرقت أموال الشعب، فالسؤال: ماذا فعلت المصارف بهذا المال؟
يا جماعة الخير، العملية سهلة وبسيطة، فالدولة اللبنانية الكريمة، هي التي سرقت المال من البنوك. أما كيف؟ فبكل بساطة، نهار كلّ اثنين يرسل وزير المالية كتاباً الى حاكم مصرف لبنان، يطلب منه تأمين 100 مليون دولار أو 500 مليون دولار، وعلى حاكم مصرف لبنان أن يوفّر له هذا المبلغ. لذلك كان الحاكم يعمد الى إصدار سندات خزينة بسعر فوائد عالية، كي يستطيع أن يغري البنوك لشراء السندات. وبقي يكرّر هذه العملية كي يؤمن رواتب موظفي الدولة، ورواتب قوى الجيش، وقوى الامن الداخلي، والقوى الأمنية الأخرى.
وهنا نسأل أيضاً: لماذا لم يرفض حاكم مصرف لبنان تلبية حاجة الدولة ولو لم يدفع للموظفين وعناصر الجيش وقوى الامن رواتبهم. ماذا كان سيحصل؟
لذلك عندما تسلم رئيس الحكومة المستقيل الاستاذ حسان ذياب مهامه، ظنّ نفسه أذكى من كل البشر فطرح نظرية لا يقبل بها أي عاقل، إذ قال إنّ هذه الأموال التي استدانتها الدولة تعتبر خسائر، وعلى «البنوك» أن تتحمّلها. فعلاً ان من يقول هذا الكلام لا يمكن أن يكون إنساناً عاقلاً. سؤالنا لدولته: إذا أنت استدنت مائة دولار من أي بنك فإنك لا تستطيع أن تقول للبنك، لا أريد أن أدفع لك المائة دولار، لأنّ هذا المبلغ هو خسارة.
لم يكتفِ ذياب بهذه النظرية التي لا يقبلها أي عاقل، بل زاد عليها، انه رفض السماح لحاكم مصرف لبنان تسديد سندات «اليورو بوند» بقيمة مليار ومائتي مليون يورو، تحت نظرية أنه لا يوجد في الخزينة عندنا هذا المبلغ. ولو كان إنساناً عاقلاً، لكان عليه أن يسمع كلام الحاكم، الذي حذّره من تداعيات عدم تسديد السندات، على المصارف اللبنانية في الخارج ولكن لا حياة لمن تنادي.
لا أريد أن أحمّل الرئيس ذياب كل المصيبة، ولكن هو المسؤول الاول، إذ كان عليه أن يكون فاعلاً، ولا يظلّ متفرّجاً على ما يدور، وترك الامر على عاتق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
إنّ ما قامت به حكومة ذياب، تسبّب في الإنهيار الحالي، إذ وجد بيئة مناسبة لتدهور متسارع لليرة اللبنانية.
إنّ لبنان يعتمد على التحويلات الخارجية من المغتربين والمنتشرين الذين يفوق عددهم الـ16 مليوناً في جميع أنحاء العالم، كما يعتمد على السياحة التي «طارت» بسبب جائحة كورونا ومقاطعة «الخليج» للبنان… وبدل ذلك كله عمّ الجوع والحرمان و»التعتير»، وعمّت البطالة، فنزل اللبنانيون الى الشوارع، يحرقون الاطارات و»يقطعون» الطرق، رغم إيمانهم بعدم جدوى هذه الأعمال، لكنهم مضطرون في ظل هذا العهد «الجهنمي» الذي أفقرهم وقضى على طموحاتهم وآمالهم.
لقد قام الرئيس الحريري بجهد لافت، إذ أمّن للبنان «مؤتمر سيدر» الذي وعد بإعطاء لبنان 12 مليار دولار، ضمن شروط إصلاحية… ولو كان الرئيس عون رئيساً طبيعياً، لتعاون مع المجلس النيابي ووضع القوانين الاصلاحية اللازمة التي كان بإمكانها إنقاذ لبنان.
إنّ فخامة الرئيس في كلمته المتلفزة «أمس» اعترف بأنّ الرئيس المكلف سعدالدين الحريري قدّم له مشروع وزراء الحكومة التي يُقال إنها غير موجودة وتُنْعَتُ بالمسودة، متهماً الحريري من دون تسميته بأنه قابع في البيوت المحصّنة… فهل القصر الجمهوري غير محصّن؟ وهل بيوت النواب والوزراء ومنهم الوزير جبران باسيل غير محصّنة؟ وهل الدعوة للتأليف حسب الدستور والقوانين هي وجهة نظر ليختلف اثنان عليها؟
أمّا بالنسبة للدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية للرئيس المكلّف بزيارة قصر بعبدا للإتفاق على تشكيل الحكومة… فإذا لم يتم الاتفاق فعلى الرئيس المكلف «حسب عون» الإعتذار.
نقول لفخامة الرئيس، لا يستطيع أحد أن يفرض الإعتذار على الرئيس المكلف، لأنّ القانون الى جانبه… فهو مكلّف من أكثرية أعضاء مجلس النواب، ولا يمكن لأحد أن ينتزع التكليف منه.
أمّا بالنسبة للرئيس المكلّف، فأنا أتمنى على دولته… أن يجيب فخامة الرئيس بما يشاء «تلفزيونياً» كما تلقى الدعوة لزيارة القصر «تلفزيونياً».