البيان الذي صدر عن المديرية العامة للرئاسة بأنّ رئاسة الجمهورية تعَوّل على الحسّ بالمسؤولية الوطنية لدى الرئيس المكلف، ليأتي حاملاً تصوّراً لتشكيل حكومة تراعي مقتضيات التوازن، والميثاقية والإختصاص مستخلصاً بذلك أشْهُرَ التكليف.
أقَلّ ما يُقال بهذا البيان إنّه بيان فيه الكثير من الوقاحة، والتدخّل بشؤون الغير، هناك مثل شعبي يقول «من تدخّل في أمور لا تعنيه سمع كلاماً لا يرضيه».
أولاً: لأوّل مرة في تاريخ لبنان نسمع أو نقرأ بياناً يصدر عن مكتب الرئاسة يُعْطي التوجيهات أو الأوامر لرئيس الحكومة.
ثانياً: لأوّل مرة في تاريخ لبنان يصدر بيان عن المديرية العامة للرئاسة يطلب من رئيس الحكومة، ماذا عليه أن يعمل وكيف يتصرّف وكيف يشكّل حكومة، وبأيّ معايير وبأيّ مواصفات.
ثالثاً: بأيّ صفة تتدخّل المديرية العامة للرئاسة، وبأيّ حق تتدخل في شؤون رئيس مجلس الوزراء.
رابعاً: هل أصبح مكتب المديرية العامة بديلاً عن رئيس الجمهورية يتحدّث عنه ويوجّه التعليمات والأوامر.
خامساً: رئيس الجمهورية نفسه، لا يملك أي صفة دستورية أو قانونية، تعطيه الحق في أن يوجّه أي رسالة مهما كان مضمونها، لأنّ هذا يعتبر تدخلاً في شؤون الغير.
سادساً: لا يمكن أن يُصدّق أنّ هذا البيان يمكن أن يصدر، مع وجود رئيس جمهورية يتمتع بكامل حسّه الوطني، يسمح لنفسه أن يوجّه كتاباً كهذا وبهكذا مضمون.
سابعاً: لا شك في أنّ الرئيس يعيش حالة إنفصام في الشخصية، ويجب معالجته. لأنّ هذا الكلام الخطير الذي صدر عن مكتب رئاسة الجمهورية هو مخالفة واضحة وصريحة واعتداء على صلاحيات وأعمال رئاسة الحكومة وتحديداً على صلاحيات رئيس الحكومة شخصياً.
يا فخامة الرئيس: رئيس الحكومة ليس موظفاً عندك.
رئيس الحكومة مثلك، أنت رئيس وهو رئيس، بل انه يزيد عنك لأنك أنت في مجلس الوزراء يمكنك الحضور متى تشاء لكنك لا تستطيع أن تصوّت على أي مشروع يا فخامة الرئيس.
التكليف الذي أعطي للرئيس الحريري جاء من نواب الأمة وليس منك، وأنت مجبر على تنفيذ قرارات السادة النواب، الذين لهم الحق في اختيار من يشاؤون للحكومة وعلى رئيس المجلس الإشراف على هذه العملية.
لذلك، بأي حق ترسل رسالة من مكتب الرئاسة، تعطي فيها تعليماتك.
يا فخامة الرئيس: رئيس الحكومة ليس موظفاً أو «باش كاتب» عندك. رئيس الوزراء هو رئيس مثلك يتمتّع بصلاحيات أعطاه إياها الدستور، وهذا حسب دستور «الطائف» أو وثيقة الوفاق الوطني.
الرئيس عون حدّد موعداً للرئيس المكلّف…
فشكراً فخامة الرئيس لأنك كما قلت لك لا تعلم ماذا تفعل، ولو كنت تعلم فالمصيبة أكبر، خصوصاً عندما يصل الانسان الى حالة لا يعرف حدوده، وتلك مصيبة كبرى… لأنّ هذا الرجل يفترض فيه أن يكون المسؤول الأوّل.
الأهم من ذلك كله، أنّ الوطن إنهار إقتصادياً واجتماعياً، وانهالت المصائب على اللبنانيين بالجملة والمفرّق، ولم يعد اللبنانيون قادرين على التحمّل… حتى أنّ الطبقة المتوسطة من الشعب، تحوّلت الى طبقة فقيرة فلم يتبقّ في لبنان إلاّ طبقة واحدة هي طبقة الفقراء.
كل هذا يحدث، وبدل أن يعمد رئيس الجمهورية الى تسهيل مهمة الرئيس المكلف، والإجتماع معه لتذليل العُقَد والعقبات لتشكيل حكومة مهمة إنقاذية، من إختصاصيّين غير حزبيين كحل وحيد للأزمة… نرى فخامته يتلهّى، تارة برسالة تلفزيونية، أو ببيان يَصْدره مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، ما يعني فقدان أي إحساس بالمسؤولية…
إنّ كل الأمور توحي بعدم تحمّل المسؤولية، وبأنّ قلوبهم باتت خالية من الرحمة.