يستحقّ قصر بعبدا الدخول في موسوعة “غينيس” للتصرّفات العجيبة. فهو لا يتوقف عن إدهاش اللبنانيين بمخيّلة يجسدها بأفعال خارجة عن المألوف ولا تمتُّ بصلة لأعراف.
تبادُل العروضات بين رئيسي الجمهورية والوزارة أثناء التشكيل أمر معتاد في كلّ العهود، والأوراق تُتلف حين تولد الحكومات، لكن “الرائعة” التي حمَلها الدرَّاج الى “بيت الوسط” تستحق الضمَّ الى “المحفوظات الوطنية” بعدما فاقت كل خيال، وأكدت اننا لسنا في زمن الانهيار فحسب بل نشهد أردأ أزمنة الانحطاط.
“المجالس بالأمانات”. لكنني لا أفشي سراً بل أعاود التذكير بمقابلة أجريتها قبل ربع قرن مع “الجنرال المنفي” آنذاك في “الهوت ميزون” ونشرتها صحيفة “الحياة”. سؤال: يقال إنك لا تعير أهمية لرأي المستشارين؟ جواب: لماذا آخذ بآرائهم إذا كنت أكثر منهم فهماً؟… واليوم لا ندري هل اعتمد “الجنرال الرئيس” على نفسه فبادَر الى بدعة الرسالة أم ان المستشارين أملوا عليه ذاك النموذج الـ”مُستحسن تعبئته” وهو غافل عن الدلالات والتبِعات.
في تاريخ لبنان مناكفاتٌ وخلافات لا تنتهي بين رؤساء الجمهوريات ورؤساء الحكومات. لكن القصر الجمهوري لم يتحوّل يوماً الى “سيرك” يسرح فيه المهرجون ضاربين عرض الحائط بأصول التخاطب ومعرضين العلاقات الهشة بين الطوائف الى مثل هذه الأخطار، بدل ان تسود الحكمة لصيانة الحد الأدنى من التوافق والاحترام. ولا يفيد تفسير المنزلَق الذي وصلت إليه بعبدا بعمر الرئيس المتقدم أو طبيعته الجانحة دوماً الى المواجهات، فدوائر القصر مسؤولة عن ضبط السلوكيات والمراسلات في إطارها المؤسسي، وفشل هواة المستشارين يجب ان يفضي الى تغيير المستشارين وليس إلغاء اللياقات والأعراف.
لم يعد مفيداً انتقاد مواقف رئيس الجمهورية المسيئة الى الدولة وسيادتها انطلاقاً من تحالفه مع المحور الايراني وحرمانه لبنان موارد العيش كرمى لشبَق التوريث، صار السؤال مطروحاً عن قدرة الرئيس على التعاطي المنطقي مع الملفات حتى ولو خالف رأيُه مصلحة أكثرية المواطنين. فمَن يرتكب “الرسالة – الفضيحة” التي وصلت للرئيس المكلف قادرٌ على ما لم يتصوّره عقل او سمعت به أذنان.
أفضل نصيحة تسدى الى الرئيس: “مُستحسن أن ترتاح”. نعلم أن لا مستشار يجرؤ على همسها في أذنه، ولا حليفُه الاستراتيجي يرغب بها قبل ان يستنفد أغراضه منه ويستهلك رئاسته، لكن الضرر لم يعد محصوراً بشخصه بل تخطاه الى ما يمثل والموقع الذي يشغله.
لا زرَّ نووياً في قصر بعبدا. هذا أكبر انجاز. فلماذا استخدام بديل هو الاستفزاز؟ ولماذا استدراج القول: لم يعد يلائمُ القصْرَ إلا الحجْر؟