Site icon IMLebanon

الدولة والدستور والدور!

 

إفتعال معركة الصلاحيّات والتلطي خلف الدستور لتمرير الخطوات المشبوهة وطنيّاً وسياسيّاً وفق ما تعمد له رئاسة الجمهوريّة في ملف تأليف الحكومة الجديدة خارج زمانه الطبيعي، فضلاً عن كونه خارج الأصول والأعراف والممارسات التي يفترض أن يتحلى بها المسؤول الأول الذي يحتل المنصب الأرفع في الجمهوريّة.

 

أن يعطل رئيس البلاد تشكيل الحكومة لأنه يريد حصة لنفسه يملك فيها القدرة على التعطيل وشل المؤسسات، هو في جوهره مناقض للدور المناط به أن يلعبه، أي السهر على تطبيق الدستور وحسن سير المؤسسات وأن يكون الحكم بينها في حال إختلفت في ما بينها، لا أن يكون طرفاً يطالب بحصة وزارية أسوة بسواه من اللاعبين السياسيين.

 

ثم إذا كانت هذه النظريّة صحيحة بأن له الحق بأن يمثل داخل الحكومة (علماً أنه يملك موقع رئاسة جميع الوزارات والادارات وقادر أن يكون فوقها جميعاً)، فهذا يعني أنه شريك في السلطة التنفيذية، مما يعني بدوره أنه يخضع للمحاسبة والمساءلة وليس فوق القانون والمؤسسات والدستور. ألا تنطبق صفة الخيانة العظمى على الرئيس المعطل في ظل إنهيار البلاد وسقوطها المريع كما هو حاصل الآن؟

 

من ناحية أخرى، صحيح أن النظام الطائفي أناط الرئاسات والمناصب بطوائف معيّنة، وهذا الأمر قائم منذ عهد الاستقلال. ولكن لماذا رسم الحدود الطائفيّة والمذهبيّة حول الرئاسات وسجنها داخل أسوارها؟ ولماذا تصوير الأمور أن المطالبة باستقالة رئيس الجمهوريّة هي بمثابة إستهداف للموارنة ودورهم في لبنان؟ ألن ينتخب رئيس ماروني بديلاً عنه في حال إسقاطه أو إستقالته؟

 

لقد حصل أن أسقط رؤساء جمهوريات في الماضي بضغط الشارع ولم يتم إلباس هذا النضال الوطني لبوساً طائفيّاً ولم يُعتبر وكأنه إستهداف لمقام الرئاسة أو للطائفة بعينها! رئيس الاستقلال الأول بشارة الخوري مثال صارخ على ذلك. ليس من عاقل يقبل أن يقارن إنجازات بشارة الخوري بـ”إنجازات” ميشال عون، ومع ذلك تنحى الخوري حرصاً على المصلحة الوطنية.

 

ثم الرئاسة هي منصب سياسي وليست منصباً دينيّاً مقدساً كي يتم تصوير المطالبة بمحاسبتها على أنها إستهداف للطائفة. والرئيس في لبنان له صلاحيات وأدوار يمارسها من خلال الدستور، وهي ليست صلاحيات رمزية أو شكلية، وذلك يجعل فكرة إخضاعه للمحاسبة أكثر قابلية للتحقق، فهو ليس كملكة بريطانيا على سبيل المثال. هو يرأس مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع (الذي استطاب الرئيس تفعيله في الآونة الأخيرة كمؤسسة موازية للحكومة المستقيلة والمشلولة) وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكل هذه المناصب ليست فخريّة إنما سياسيّة وتنفيذية بإمتياز.

 

كم كان كبيراً ميشال عون لو إستدعى الرئيس المكلف ووقع له التشكيلة وقال له: لا أريد شيئاً من السلطة، فقد أخذت منها ما يكفيني: قيادة جيش ورئاسة حكومة إنتقالية وكتلة برلمانية كبيرة ورئاسة الجمهورية، ما يهمني اليوم إنقاذ البلاد في ما تبقى من عهدي الذي هدرت سنواته في الحسابات الخاطئة والأولويات المقلوبة والرهانات الفاشلة. لا أريد ثلثاً معطلاً أو حقائب وزارية أو مناصب في الادارة والقضاء والأمن. أنا رئيس الجمهورية أمارس دوري فوق الحسابات المصلحية والفئوية ولا أريد شيئاً لنفسي. إذهب وإنطلق في العمل، وليحاسبك الشارع الغاضب والجائع والمنتفض والمجلس النيابي وفقاً لدوره وصلاحياته.

 

هو بمثابة حلم لم يتشارك به اللبنانيون مع رئيسهم، وقد راهن قسم منهم بالفعل على شعاراته التي نادى بها طوال سنوات وما لبثت أن تحطمت على جدران السلطة والمناصب والمكاسب. شعارات شعبويّة فارغة كانت ترمي إلى تحقيق هدف واحد: الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة. ها قد وصلت ولو على مآسي الناس وأوجاعهم وآلامهم وغضبهم ويأسهم. الوقت الآن للعمل أو… الرحيل!