IMLebanon

الجنون فنون  

 

الجنون مرض… يصيب أشخاصاً… فيتصرّفون بشكل غير طبيعي، وتصدر عنهم أفعال غير منطقية، فجائية وغير متوقعة… كيف لا… والحكماء يقولون: «ليس على المريض حرج».

 

والأمثلة على «الجنون»، في التاريخ، كثيرة وعديدة، فهناك نابليون وهتلر… إذ كانت المشكلة معهما، أنهما كانا ينظران في المرآة… ويتحدثان مع نفسيهما… يظنّ الواحد منهما أنه الحاكم بأمره فيقول: أنا عظيم.. أستطيع أن أُكَسّر الدنيا».

 

كل واحد منهما قام بتصرّفات غريبة عجيبة، وبحروب مدمّرة، دمّرت كلاً من فرنسا وألمانيا… والاثنان لا يباليان… فليس على المجنون حرج.

 

ما جرى بين الرئاستين الأولى والثالثة، لا يصدّقه عقل، ولا يقبله منطق… إذ لا يمكن أن يتصوّر أحدٌ حتى في مخيّلته، أن مثل هذه الأمور تحدث في ظل وضع منهار: فالإنهيار الاقتصادي والمالي والسياسي… باتَ يُثْقِلُ كاهل اللبنانيين…

 

أمّا السياسيون، وفي ظل هذه الأجواء المثقلة بالهموم والمصائب، يتصرّفون وكأنّ الدنيا بألف خير… ولا توجد أي مشكلة. حتى جائحة الكورونا يتعاملون معها بشكل غير طبيعي.

 

رئيس الحكومة وخلال 5 أشهر يجول -كل أسبوع- في بلد، ساعياً للحصول على مساعدات بغية إيجاد الإستقرار في لبنان.

 

المشكلة أنّ رئيس الجمهورية لا يريد أن يعترف بـ»الطائف»، وهو يتصرّف على هذا الأساس. فبالرغم من مرور 30 سنة على الاتفاق المذكور، لا يزال فخامته يظن أنّ «الطائف» غير موجود. وهنا لا بد من أن نبدأ بموضوع تشكيل الحكومة، لنقول لفخامته: إنّ دور رئيس الجمهورية أولاً: الإلتزام بالإستشارات النيابية الملزمة حتى ولو كانت النتيجة عكس ما يشاء. دوره فقط تسجيل ما يقوله النواب، ومن ثمّ يعرضه على رئيس المجلس النيابي الذي بدوره يتأكد من صحة المعلومات. وهنا لا بد من التذكير بأنّ الرئيس اميل لحود حاول في بداية عهده أن يلعب لعبة مفادها أنّ عدداً من النواب تركوا أمر التسمية لفخامته. يومذاك رفض الشهيد الرئيس رفيق الحريري القبول بالنتائج على الرغم من أنّ الرئيس اميل لحود حاول التراجع ولكن جزئياً.. لقد اعتبر الرئيس الشهيد أنّ ما جرى مخالفة دستورية لا يمكن القبول بها.

 

ما جرى منذ 5 أشهر وإلى يومنا هذا، يعتبر فعلاً «حفلة جنون». إذ بدأها رئيس الجمهورية بكلام غير مقبول أبداً، ولا يليق بمقام رئاسة الجمهورية، حين أنكر فخامته وجود لائحة بأسماء الوزراء مع حقائبهم، ووصف رئيس الحكومة المكلّف بـ»الكذاب»..

 

بالرغم من ذلك كله… لم يتصرّف رئيس الحكومة المكلّف كما تصرّف رئيس الجمهورية… لأنه اعتبر أنّ مصلحة وطنه لبنان، ومصالح شعبه، أكبر من أي شيء آخر… فقام بزيارة «بعبدا»… وكان كبيراً… فلم يعاتب رئيس الجمهورية، بل عضّ على الجرح.

 

لم يكتفِ رئيس الجمهورية بما فعله، بل أرسل كتاباً الى الرئيس المكلّف، طالباً منه تعبئة «الخانتين الثالثة والرابعة» من الجدول المرفق.

 

والإساءة الثالثة كانت إرسال الكتاب الى رئيس الحكومة المكلّف مع درّاج، أمّا المخالفة الرابعة فقد عنون كتابه باسم رئيس الحكومة السابق، بدل الرئيس المكلّف.

 

بالرغم من كل هذا عضّ الرئيس المحترم العاقل، الذي يغار على وطنه، على جرحه وصعد مرة جديدة الى بعبدا، واجتمع برئيس الجمهورية لمدة 25 دقيقة ليخرج من بعدها ويعلن من القصر الجمهوري أنّ رئيس الجمهورية انقلب على نفسه… وأضاف:

 

«مش شغلته تشكيل حكومة كذلك ليست شغلتي عبّي أوراق».

 

لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن يتصرّف رئيس جمهورية، كما تصرّف الرئيس ميشال عون خصوصاً أنه جاء من الجيش، وفي الجيش ينص البند الاوّل على احترام الناس والصدق والإخلاص والتضحية.

 

إنّ كل حديث عن الثلث المعطل وعن وزارة الداخلية وعن عدد الوزراء لا قيمة له، لأنّ الحقيقة أنّ الرئيس ميشال عون لا يتحمّل أن يرى الوزير السابق جبران باسيل خارج الحكم.

 

مبارك لك يا ابن «الأوادم»، يا ابن الشهيد رفيق الحريري… فأنت دخلت التاريخ الابيض… كما دخله والدك وأنت أصبحت في ضمير الأمة… وغيرك ذهب الى …… التاريخ.

 

هنيئاً لك على شجاعتك وقوّتك وصبرك، وأخلاقك وكرمك ونبلك…